قـــراءات

Tuesday, December 13, 2005

ثــقــافــة الانـبـــــطاح

جريدة الأهرام
الثلاثاء 14 ديسمبر 2004م ، 03 ذو القعدة 1425 هـ

بقلم : جمال الشاعر

إذا اردت أن يكون لك أعداء كثيرون‏..‏ حاول ان تغير شيئا ما‏..‏ عبارة قالها الرئيس الأمريكي ويلسون منذ قرن من الزمان‏..‏ وهي ترجمة أمريكية للحكمة العربية‏..‏ الإنسان عدو مايجهل‏..‏ ومن هنا تتفجر عدة أسئلة مفخخة علينا الأقتراب منها بشجاعة‏.‏
‏1‏ـ هل نحن نريد التغيير؟
‏2 ـ كيف نريد هذا التغيير من الداخل أم الخارج؟
‏3‏ ـ التغيير الذي نريده‏..‏ هل هو سريع أم بطيء‏..‏ جذري أم تدريجي؟
‏4 ـ هذا التغيير سيتم بالقوة بالعنف أم بالاقتناع والاقناع والايمان بالفكرة؟
‏5‏ ـ هل للدين دور مركزي في الاصلاح والتغيير أم لا؟
‏6‏ ـ ماالذي نريده بالضبط ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة؟
السؤال الأخير كان هو عنوان مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بمراكش‏..‏ هناك جلس المؤتمرون حول الأسئلة الصعبة مثل فرسان المائدة المستديرة‏..‏ كل ألوان الطيف كانت موجودة هناك‏..‏ بطرس غالي‏..‏ أحمد كمال أبوالمجد‏..‏ فاروق الباز‏..‏ فهمي هويدي‏..‏ سناء البيسي‏..‏ علي أبومليل‏..‏ شاكر النابلسي‏..‏ محمود شمام‏..‏ عبدالهادي التازي‏..‏ مانع سعيد العتيبة‏..‏ حسن وجيه‏..‏ أحمد أبوزيد‏..‏ عبدالله التطاوي‏..‏ حسن نافعة‏..‏ صلاح فضل‏..‏ عمرو موسي‏..‏ علي فخرو‏..‏ ريما خلف‏..‏ وآخرون‏.‏
الأمير خالد الفيصل حاول ردم الهوة السحيقة بين السياسي والثقافي‏..‏ فجازف باشعال الحوار بين الوزراء والمثقفين والمفكرين‏..‏ وفي ندوة التغيير والإعلام قال مدير القناة الأمريكية الموجهة للعالم العربي‏..‏ إن الله خلقنا من ذكر وانثي وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف‏..‏ وهذه هي رسالة القناة الأمريكية التعارف والتعريف بثقافة الآخر‏..‏ وهي قناة اسم علي مسمي‏..‏ حرة في اتخاذ قراراتها تماما‏,‏ مجلس أمنائها تسعة أعضاء‏,‏ خمسة ديمقراطيين وأربعة جمهوريين‏..‏ ثم راح ينتقد المقاومة العراقية ويقول إنهم يقتلون الأبرياء باسم الله‏..‏ هنا وقف في القاعة من يردون عليه قائلين‏..‏ المثل الأمريكي الشهير يقول من يدفع للعازف هو الذي يختار اللحن‏..‏ فمن الذي يدفع لهذه القناة وعلي أي لحن سوف تعزف‏..‏ ماهي الرسالة الإعلامية الموجهة للعالم العربي‏..‏ ثم‏..‏ نحن كعرب ومسلمين نرفض تماما قتل الأسري أو تعذيب الأسري الاجانب‏..‏ انها وحشية مرفوضة‏..‏ لكن ماذا عن معاملة الأسري العرب في سجن أبوغريب وخلافه ثم السؤال الأكبر‏..‏ اذا كان هؤلاء يقتلون الرهائن باسم الله كما يقول‏..‏ فبأي اسم العراقيون يقتلون ويبادون وباسم من تتم عملية إبادة القري والاحياء في العراق وفلسطين إنها معادلات مغلوطة‏..‏
وطرح غريب وشاذ‏..‏ إن الجماهير العربية تبحث عن العدالة‏..‏ قبل أن تبحث عن الحداثة والتغيير‏..‏ ثم هل نحن مستفيدون من الحداثة والتغيير أم لا‏..‏ إذا لم يحس المواطن العربي بمكاسب سياسية واقتصادية تسهم في تحسين ظروفه المعيشية ومعاناته اليومية وتغيير واقع الاحتلال‏..‏ فانه سوف يبحث عن بديل‏..‏ والبديل لنظرية الحداثة في الطرح الراهن في المشهد السياسي هو النظرية الدينية‏..‏ أذكر انني قابلت سفيرة أمريكية في دولة خليجية وراحت تتناقش معي‏..‏ حول تصورات العالم العربي للتغيير‏..‏ فقلت لها‏..‏ الستم أنتم الأمريكيون اصحاب اختراع نظرية البراجماتية القائمة علي المنفعة المتبادلة والمصلحة وتحقيق المكاسب للطرفين‏..‏ قالت نعم‏..‏ قلت لها‏..‏ لماذا لاتكون الاطراف كلها مستفيدة من المواقف من التصالح من‏..‏

المشاركة في العلاقات أو في فض المنازعات‏,‏ قالت انت تقصد نظرية " ‏ winwintheory "
نظرية الاثنان منتصران قلت لها نعم مع العلم أنه لايوجد منتصر بدون خسائر ولكن ما يحدث في الشرق الأوسط الآن هو سياسة الانبطاح وعقود الاذعان‏..‏ وبالتالي لن تحدث استجابات لا سريعة ولاكسيحة لاي نوع من انواع الاصلاح والتغيير‏..‏ اقرئي ما نشر في النيوزويك منذ اعوام‏..‏
سأل الصحفي الأمريكي طفلا فلسطينيا‏..‏ ماذا ستشتري اذا حصلت علي بعض النقود‏..‏ قال الطفل الفلسطيني‏..‏ بندقية‏..‏ وماذا سوف تشتري لو حصلت علي أموال أكثر؟ قال الطفل‏..‏ دبابة‏..‏ ويواصل الصحفي الاسئلة قائلا‏..‏ انك تفكر بعقلية المحارب ماذا لو كانت معك هذه الأموال وليست هناك حروب‏..‏ بل سلام‏..‏ قال الطفل سأشتري جهاز تليفزيون‏..‏ ثم ماذا لو كانت لديك مبالغ أكبر قال‏..‏ هاتف نقال‏..‏ ثم ماذا‏..‏ قال دراجة بخارية‏..‏ فنحن اذن جاهزون للتغيير اذا تم السلام‏.‏
ابن خلدون يقول المغلوب مولع بتقليد الغالب‏..‏ ونحن والحمد لله رواد التغيير الاعمي‏..‏ انظروا إلي حال التليفزيونات العربية في برامج الترفية والدراما‏..‏ والمرء تنتابه الدهشة‏..‏ إذا كان هناك استعداد وشوق كبير للتغيير طواعية فلماذا الجيوش والحروب والاحتلال والقتل والدمار؟ عجبا‏.‏برجنسكي يقول‏:‏ التليفزيون يقوم بدور أهم من الكنيسة والمدرسة والجيوش‏.‏
لقد بدأ التغيير بالفعل كما يقول كثير من المفكرين بدخول التليفزيون وتحويل مائدة الطعام العربية المستديرة الطبلية إلي مائدة مستطيلة حيث لاينظر افراد العائلة إلي بعضهم البعض ولكن إلي الوافد الجديد‏. عود علي بدء‏..‏ يمكن استخلاص بعض الأفكار والاجابات من مؤتمر ثقافة التغيير علي النحو التالي‏.‏
أولا ـ المواطن العربي إما برميل بترول أو إرهابي محتمل وهذه الصورة التي وصفها الراحل إدوارد سعيد مازالت ماثلة في اذهان الغرب وهي تحتاج إلي انتفاضة ثقافية إعلامية وآلية للحوار لتغييرها‏..‏ فنمور التاميل عندما يفجرون انفسهم لايوصفون بأنهم انتحاريون بوذيون وعمليات الجيش الايرلندي لاتوصف بانها عمليات إرهابية كاثوليكية‏.‏
ثانيا ـ جوبلز كان يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة اتحسس مسدسي‏..‏ والمواطن العربي يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة التغيير اتحسس عقيدتي‏..‏ فما هو المقصود بالتغيير؟
ثالثا ـ صدمة المستقبل كما يقول الفن توفلر هي تأتي من الحاجة للتغيير الفوري والتغيير يأتي من أعلي فالناس علي دين ملوكهم‏..‏ ومن أسفل‏..‏ ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏.‏
رابعا ـ نريد تغييرا يحقق لنا أحلامنا في جيش قوي وبلد غني ويصبح ذلك هو شعارنا وان يكون بيدنا لابيد بوش وسلميا وليس عنيفا وتدريجيا وليس انقلابيا وجذريا‏..‏ ولكن علي كل المطالبين بالتغيير ان يطرحوا سيناريوهات قابلة للتطبيق وذلك إعمالا للحكمة القائلة لاتخبرني انك خفيف الظل ومضحك‏..‏ فقط قل لي نكتة‏..‏ استدراك مهم جدا اخشي ان يتحول مصطلح ثقافة التغيير إلي نكتة‏.

0 Comments:

Post a Comment

<< Home