قـــراءات

Tuesday, January 03, 2006

مخطط أميركي أوروبي لتدويل العالم الإسلامي





أحمد منصور: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم على الهواء مباشرة وأرحب بكم في حلقة جديدة من برنامج بلا حدود، أصبحت الشرعية الدولية سلاحاً مُسلطاً على كثير من الدول العربية ومدخلاً لسلب الدول سيادتها وقرارها وإخضاعها للوصاية أو الهيمنة الدولية بشكل جزئي أو كلي وعلى سبيل المثال لا الحصر تدور قضية فلسطين في إطار التدويل منذ احتلالها عام 1948، ثم جُدد التدويل في مؤتمر مدريد الذي عُقد في العام 1991.. بعده تم تدويل قضية جنوب السودان وبعد انتهائها هناك مساعي لتدويل دارفور، أمّا العراق فبعد قرارات دولية كثيرة لم تُحقق الغرض، تم احتلاله بالكامل وهو عرضة الآن للتدويل أو التقسيم والتجزئة، أمّا سوريا ولبنان فقد كان اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في أبريل الماضي بداية لتدويل الملف السوري اللبناني وبقيت هناك قضايا منظورة وعرضة للتداول.. للتدويل أخطرها ملف الأقباط في مصر والأقليات الدينية في الخليج وفي هذه الحلقة نُحاول قراءة المستقبل لهذه القضايا من خلال معطيات الواقع وذلك في حوار مباشر مع المُفكّر السياسي البارز الدكتور عبد الله النفيسي، ولد في الكويت عام 1945، حصل على البكالوريوس في العلوم السياسية من الجامعة الأميركية في بيروت عام 1967 وعلى الدكتوراه من كلية تشرشل في جامعة كامبريدج في بريطانيا عام 1972، عُيّن رئيساً لقسم العلوم السياسية في جامعة الكويت في الفترة بين عامي 1974 و1978 حيث ترك الجامعة وانتقل للتدريس في جامعة اكستر في بريطانيا بين عامي 1980 و1981، ثم إلى جامعة العين في الإمارات من العام 1981 وحتى العام 1984، أصبح عضوا في مجلس الأمة الكويتي عام 1985 غير أن المجلس حُلّ في العام 1986، انتقل النفيسي بعدها للعمل أستاذاً زائراً للعلوم السياسية في جامعات أميركية مختلفة منها جامعة ستانفورد ومعهد هوفر لدراسات الصراع في الشرق الأوسط وجامعة هارفارد، كما عمل أستاذاً زائراً في جامعتي بكين وموسكو وعضواً مؤسِساً في المنظمة العربية لحقوق الإنسان وأميناً عاماً للمؤتمر الشعبي لمقاومة التطبيع مع الكيان الصهيوني في الخليج، صدر له حتى الآن ثمانية عشر كِتاباً من أهمها دور الشيعة في تطور العراق السياسي والإطار السياسي والعسكري لمجلس التعاون الخليجي وإيران والخليج جدلية الدمج والنبذ، الإنزال العسكري الأميركي في الخليج، الكويت الرأي الآخَر ولمشاهدينا الراغبين في المشاركة يمكنهم الاتصال بنا على أرقام هواتف البرنامج التي ستظهر تباعاً على الشاشة أو رقم الفاكس أو عبر موقعنا على شبكة الإنترنت www.aljazeera.net، دكتور مرحباً بك.
عبد الله النفيسي- مفكر سياسي: أهلاً وسهلاً.
أحمد منصور: منذ أشهر طويلة والمشاهدين يكتبون إليّ لماذا تأخر الدكتور النفيسي؟
عبد الله النفيسي: والله شيء يسعدني هذا.

أبعاد التدويل وأسبابه

أحمد منصور: تسلم.. معظم الدول العربية أو كثير منها خاضعة للتدويل الآن بشكل جزئي أو كلي كما أشرنا في المقدمة، هناك مُطالبة بتدويل بعض القضايا مثل قضايا الأقباط في مصر، ما هي أبعاد تدويل هذه القضايا في الوقت الراهن بالنسبة للعالم العربي؟
عبد الله النفيسي: أه، للإجابة على هذا السؤال فيه نقطتين يا أحمد؛ النقطة الأولى أنّ لكل دولة لها عقيدتها العسكرية.. يعني اليابان لها عقيدة عسكرية بناء على المادة التاسعة من دستورها، تقول هذه العقيدة العسكرية نمرة واحد عدم التدخل عسكرياً في شؤون الدول الأخرى، نمرة اثنين عدم شن هجوم حرب هجومية على أي دولة، العقيدة العسكرية للولايات المتحدة ممكن تلخيصها بمبدأ تغذية النزاعات الخفيفة المَحدودة المَحكومة استراتيجياً أو ما يُسميه العسكريين في البنتاغون (Low intensity conflicts)، يعني تقوم العقيدة العسكرية للولايات المتحدة على تشجيع وتغذية النزاعات الخفيفة المحدودة بين الدول على أن تكون هذه النزاعات محكومة استراتيجياً.
أحمد منصور: ما فائدة استفادتها من ذلك؟
عبد الله النفيسي: سوف آتي إلى هذه، النقطة الثانية أن مهندس السياسة الخارجية الأميركية كيسنغر قال في العديد من كُتُبِه ومقالاته ومحاضرته العامة أنّه بالنسبة للدبلوماسية الأميركية.. عنده كتاب ضخم اسمه الدبلوماسية.. يقول مهمة الدبلوماسي الأميركي ليس حل الأزمة بقدر ما هي الإمساك بخيوطها وإدارتها وكلّما طالت الأزمة كلّما كان أمام الولايات المتحدة فرصة كبيرة لتطويع الأزمة أياً كانت، أينما كانت، كيفما كانت..
أحمد منصور [مقاطعاً]: طُبّقت هذه في أين؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: طُبّقت في الشرق الأوسط، في فلسطين، الآن فلسطين.. مشكلة فلسطين منذ الـ1948 حتى الآن تتّبع الولايات المتحدة هذا الأسلوب، أسلوب تغذية النزاع الخفيف المحدود والمحكوم استراتيجياً على أن يستمر هذا النزاع بدون حل ولكن دون أن ينفجر إلى حرب كارثية، يعني عملية النزاعات الخفيفة المحدودة، كيسنغر طبعاً من الشخصيات الاستراتيجية التي أسست مدرسة يا أحمد..
أحمد منصور: لازالت السياسة التي وضعها كيسنغر إلى الآن الإدارة الأميركية ملتزمة بها؟
عبد الله النفيسي: نعم، هناك عديد من وزراء الخارجية الذين تعاقبوا على وزارات الخارجية.. يعني من فوستر دالاس إلى دين راسك إلى شولتز إلى وارين كريستوفر إلى سايروس فانس إلى أولبرايت إلى رايس الآن إلى جيمس بيكر، كل هؤلاء لم يؤثروا، التأثير العلمي والموضوعي على السياسة الخارجية الأميركية كما أثّر كيسنغر، ربّما لأنّه رجل استراتيجي وربّما لأنّه أستاذ علوم سياسية.. بروفيسور كبير في العلوم السياسية.. فكان عنده مقدرة واقتدار على التنظير لهذه السياسة الخارجية، فكان يقول ليس علينا حل الأزمات إنّما علينا الإمساك بخيوطها لكي يعطينا شرعية التدخل وآلية التدخل وهذا هو الحاصل الآن في سياسة الولايات المتحدة الخارجية، للعلم لازال هنري كيسنغر قريب الصلة في البيت الأبيض الآن مع هذه الإدارة الحالية..
أحمد منصور: ولازالت كِتاباته التي يَكتُبها أيضاً تعكس كثير من التوجيه بالنسبة للسياسة الأميركية؟
عبد الله النفيسي: بارك الله فيك ولذلك أنا أقول التدويل مربوط بالعقيدة العسكرية ومربوط في هذه الاستراتيجية التي طرحها كيسنغر.
أحمد منصور: لو أردت أن آخذ هذه النقطة.. نقطة تدويل ونقطة عدم حل القضايا والإمساك بخيوطها وليس حلها، لو أردنا أن نعمل إسقاط على ما يحدث في العراق الآن، ما هو إسقاطك وقراءتك لمَا يحدث في العراق من هذا المنظور خاصة وأنّ هناك الآن فيه تورط أميركي وليس إمساك بالخيوط.. يعني أميركا الآن في داخل المشكلة وليست خارجها؟

الإستراتيجية الأميركية ومخاوفها والوجود بالعراق

عبد الله النفيسي: صح، الأولويات الاستراتيجية يا أحمد للولايات المتحدة عالمياً تنقسم إلى ثلاث أقسام.. يعني الرؤية الاستراتيجية..
أحمد منصور [مقاطعاً]: أولاً؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: أولا المشاكل التي تؤثر على وجود الولايات المتحدة ككيان وهذه ممكن تقسيمها إلى ثلاث مشاكل؛ المشكلة الأولى أسلحة الدمار الشامل..
أحمد منصور: لا تريد لأحد أن يملك هذا السلاح بحيث يُصبح مُهدد لها.
عبد الله النفيسي: بارك الله فيك..
أحمد منصور: ثانياً؟
عبد الله النفيسي: النقطة الثانية قيام صين جديدة متمردة على النظام الدولي، هذه.. الصين أصبح كابوس الآن بالنسبة للولايات المتحدة ولذلك الولايات المتحدة دائماً حذرة من عدم افتعال أزمة مع الصين وتريد الصين مشغولة في بنائها الاقتصادي الجديد وعلاقتها الاقتصادية وحرف الصين عن أي نشاط عسكري أو سُدَو عسكري..
أحمد منصور: ولذلك بتنهج نهج أنها تهاجم الصين من آن لآخر، الزيارات للصين لا تنقطع، محاولة احتواء الصين.
عبد الله النفيسي: بارك الله فيك..
أحمد منصور: ثالثاً؟
عبد الله النفيسي: ثالثاً الخوف من عملية ما يسميه اشتن كارتر بالإرهاب المريع الـ(كلمة إنجليزية) في الداخل..
أحمد منصور: داخل أميركا؟
عبد الله النفيسي: داخل أميركا، يعني كما حصل في حالة ماكفي في أوكلاهوما.. يعني هذا أخوف ما يخيف السلطة الأميركية ولذلك لقد نجحت الولايات المتحدة في العراق.. نجحت في شغلة واحدة..
أحمد منصور: وهي؟
عبد الله النفيسي: وهي تصدير الفوضى الداخلية الأميركية إلى الخارج، العنف الأميركي المتفاعل في الداخل، فيه ثلاثمائة ميليشيا عسكرية داخل الولايات المتحدة، هذه كلها من البيض العنصريين..
أحمد منصور: وكثير منهم مجندون سابقون ومعتَرَف بهم وهؤلاء يُعتبروا حسب رأي كثيرين شيء متفجّر داخل الولايات المتحدة يمكن..
عبد الله النفيسي: وماكفي منهم..
أحمد منصور: لكن تصدير هذا إلى العراق كيف؟ يعني هل هؤلاء أصبحوا هم الجنود الذين يخوضون الحرب في العراق؟
عبد الله النفيسي: كثير منهم، كثير من هؤلاء العنصريين انضموا إلى مستوى من مستوياته، التقسيم الثاني اللي يدخل فيه العراق..
أحمد منصور: يعني إحنا قلنا أولا وله ثلاثة، ثانيا؟
عبد الله النفيسي: نعم، ثانيا الولايات المتحدة تتخوف من حربين..
أحمد منصور: ما هما؟
عبد الله النفيسي: حرب في الشرق الأقصى تدخل الصين طرف فيها..
أحمد منصور: تكون بين مَن ومَن؟
عبد الله النفيسي: اليابان.. الآن موضوع كوريا لأن الصين هي الراعي الضامن للأمن الكوري الشمالي ولذلك بتلاحظ أن الولايات المتحدة حذرة في..
أحمد منصور: تقدم وتؤخر.
عبد الله النفيسي: حذرة في الملف الكوري الشمالي..
أحمد منصور: صح.
عبد الله النفيسي: وخوفها ليس من كوريا الشمالية، خوفها من أنّه تدخل الصين بكل زخمها مع كوريا الشمالية ولذلك يقول كبير الاستراتيجيين في الولايات المتحدة إنّه..
أحمد منصور: مَن كبير الاستراتيجيين؟
عبد الله النفيسي: اللي هو هنري كيسنغر..
أحمد منصور: أه كيسنغر.
عبد الله النفيسي: أنا بأعتبره أكبر استراتيجي في الولايات المتحدة، يقول أنّه مستقبل الصراع الدولي سيتقرر في الشرق الأقصى وليس في الشرق الأوسط، فهمت كيف ولذلك علينا يقول النظر إلى الصين والانتباه إلى الصين ومن هنا أصبح الأميركان الآن بيشجعوا اليابان على مراجعة الدستور الياباني اللي بينص في المادة التاسعة بأنّه لا يجوز لليابان أن تشن حرب هجومية في الخارج، الآن فيه زخم ياباني داخلي لإعادة النظر في الدستور الياباني..
أحمد منصور: لتشجيع اليابان على إمكانية أن تكون طرفاً في هذه الحرب لو تمت.
عبد الله النفيسي: في تشجيع اليابان.. بالضبط لأن اليابان سبق أن احتَلّت الصين يا أحمد وبالتالي..
أحمد منصور: وليس بعيداً يعني.
عبد الله النفيسي: وليس بعيدا، الصين.. واليابان عندها آلة عسكرية قادرة على تحقيق شيء كبير في الشرق الأقصى..
أحمد منصور: جزء كبير من التكنولوجيا الأميركية العسكرية قائمة على التصنيع في اليابان..
عبد الله النفيسي: بارك الله فيك، الحرب الأخرى التي تخافها الولايات المتحدة هي حرب في غرب آسيا وفي الجزيرة العربية بالذات..
أحمد منصور: لا وضّح لنا هذه؟
عبد الله النفيسي: أه، الغزو العراقي للكويت سنة 1990 وتداعيات هذا الغزو الاستراتيجية والحرب التي تلت هذا الغزو لتحرير الكويت من الاحتلال العراقي الغاشم، كل هذا ولّد لدى صانع القرار الأميركي خوف كبير من عودة حرب جديدة في غرب آسيا والجزيرة العربية تحديداً..
أحمد منصور: لكن هم الذين يمكن أن يصنعوا هذه الحرب؟
عبد الله النفيسي: يعني هم متخوفين حقيقة من قوة جديدة في الشرق الأوسط..
أحمد منصور: إيران مثلاً؟
عبد الله النفيسي: كإيران، كالعراق أيام صدام حسين.. يعني كانت تُشكّل شيء من التهديد للميزان الاستراتيجي داخل المنطقة هذه..
أحمد منصور: الآن ما.. يعني هذه الرؤية لازالت قائمة الآن في ظل الاحتلال والتواجد الأميركي المكثّف العسكري في المنطقة؟
عبد الله النفيسي: يعني الآن خفتت هذه.. هذا التخوّف خفت ولكن..
أحمد منصور: يعني إذاً نحن نتحدث عن الاستراتيجيات أما تعتقد أنها تختلف من آن إلى آخَر بُناءً على معطيات الواقع وأن معطيات الواقع الحالية تختلف حتى عن معطيات الواقع في 2003 حينما دخلت أميركا إلى العراق؟
عبد الله النفيسي: الآن تختلف، فعلاً اختلفت.
أحمد منصور: في ظل هذا الواقع الحالي الموجود وفي ظل هذا الاختلاف الاستراتيجية الأميركية الآن تجاه العراق تحديداً ما هو بعدها في ظل ما أعلنه رمسفيلد أثناء زيارته الأسبوع الماضي للعراق وفي ظل ما أعلنته ما أعلنه البريطانيون عن بداية سحب قواتهم من العراق من العام 2006؟
عبد الله النفيسي: الولايات المتحدة الآن تركّز على الآتي في العراق يا أحمد؛ قيام حكومة شرعية، دستور ثابت ومُتّفق عليه بحيث تتمكّن هي من توقيع اتفاقيات دفاعية مع هذه الحكومة الشرعية.
أحمد منصور: هل يمكن لهذه الحكومة أن تقوم في ظل الرفض اللي تم من السنّة لنتائج الانتخابات الآن وفي ظل ما يُقال عن أنّ ستكون هناك فدرالية فضفاضة وسيكون هناك.. يعني فيه مخاوف كثيرة أعلنها كثير من المسؤولين الدوليين عن تفتيت العراق وتقسيمها؟
عبد الله النفيسي: هل تعلم أين يسكن الآن زالماي خليل زاد وأين يُدير الأمور اللي هو السفير الأميركي في بغداد؟
أحمد منصور: أين؟
عبد الله النفيسي: يُقيم في القصر الجمهوري ويستعمل مكتب صدام، يعني هذه رمزيتها ودلالاتها خطيرة يا أحمد.
أحمد منصور: ما دلالاتها ورمزيتها؟
عبد الله النفيسي: دلالاتها عظيمة.. يعني أنّه بدل صدام إحنا الآن وإحنا نقرر ما يدور في العراق وما يحصل في العراق وعندنا القوة الكافية لفرض ما نريد في العراق.
أحمد منصور: لم يتمكّنوا طوال الفترة الماضية؟
عبد الله النفيسي: أنا أتصوّر بأن موضوع السنّة هذا لو أغلقوا باب سوريا لتمكّنوا من حله وأحسب أنّ معظم اهتمامهم بالأزمة اللبنانية السورية هو من هذا الباب.
أحمد منصور: نريد نفهم هذا الجزء.. يعني قضية التدويل الآن.. تدويل قضية اغتيال الحريري ما أبعادها وما أثرها أيضاً على سيناريوهات سوريا ولبنان والمنطقة؟
عبد الله النفيسي: أنا لا أعتقد يا أحمد أنّه الأميركان مهتمين يعرفوا مَن قَتل الحريري، لا أعتقد ذلك..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هل تدرك أنهم يعرفون؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: وربّما يعرفون، لكن هذا بالنسبة لواضع الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة ليس هو المهم.
أحمد منصور: ما هو المهم؟
عبد الله النفيسي: المهم هو التمكّن من خيوط هذه الأزمة وهذا التحقيق للضغط على سوريا.
أحمد منصور: ما هي الأدوات التي تجعله يتمكّن من هذه الخيوط؟
عبد الله النفيسي: مجلس الأمن يعطيه الشرعية، التدخل الأميركي ينطلق من مجلس الأمن اليوم.
أحمد منصور: وماذا يريد بعد أن يأخذ التدويل ويعطيه مجلس الأمن هذه الأشياء ما هو السيناريو الذي سيلعبه؟
عبد الله النفيسي: تعويم الكيان الصهيوني.
أحمد منصور [مقاطعاً]: كيف؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: تعويم الكيان الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، فرض اتفاقات على سوريا واتفاقات على لبنان، لازالت لبنان وسوريا.. الملف السوري اللبناني غير خاضع لمفاعيل العلاقات المصرية الصهيونية والعلاقات الأردنية الصهيونية، معي ولا لا؟ بقيت سوريا ولبنان أو الملف السوري اللبناني حتى الآن لم يُحسم وبالتالي أنا أتصوّر بأنّ اهتمام الأميركان الآن ليس البحث عن مَن قَتل الحريري أو مَن قَتل جبران تويني أو غيره من الذين تم اغتيالهم هذا ليس مهم بالنسبة لهم..
أحمد منصور: قبل أن أدخل أو استكمل معك هذا الشق، مسلسل الاغتيالات بعد اغتيال الحريري هناك أربعة عشر عملية تمت في لبنان آخَرها كان اغتيال جبران تويني، أبعاد المسلسل ده إيه؟
عبد الله النفيسي: هنا أودّ أن أؤكّد يا أحمد بأن إحنا شعوب تتعاطى بسذاجة وعاطفية مع هذه القضايا، يعني لبنان ليست الدولة الوحيدة التي حصلت فيها هذه الفوضى الأمنية..
أحمد منصور [مقاطعاً]: فين؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: حصلت حتى في أوروبا في فترة السبعينيات.. يعني في الفترة..
أحمد منصور: يعني هذا جزء من الاستراتيجية متكامل مرتبط ببعضه بعضاً؟
عبد الله النفيسي: أظن ذلك.
أحمد منصور: صناعة فوضى أمنية في بلد كان شبه مستقر لتحقيق أهداف استراتيجية معينة؟
عبد الله النفيسي: يا أحمد متى كان الاغتيال أو عنف أو فوضى في الدولة يُبيح الدعوة إلى تحقيق دولة، خليني بس أخدمك.. يعني إيطاليا.. الألوية الحمراء اللي هي منظمة سرية معروف اتجاهها ومعروف مَن يموّلها من الدول العربية حتى، فهمت كيف؟ في السبعينات 1978 تختطف رئيس الوزراء الدمورو وتذبحوه ذبح وتحطه بسيارته في الصندوق وتوقفها في (Hi way) وتأتي الشرطة ويكتشفوا رئيس الوزراء قد تم اغتياله، بادر ماينهوف في ألمانيا فعلت الأفاعيل مع أجهزة الأمن الألمانية من خطف وذبح وقتل وكذا، لم تلجأ ألمانيا إلى تحقيق دولي ولم تلجأ إيطاليا في موضوع الدمورو..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن هنا في لبنان فُرِض.
عبد الله النفيسي [متابعاً]: ما هذا قصدي، أنا قصدي إنه قاعد يُفرض..
أحمد منصور: الآن كل ما واحد يُقتَل في لبنان عاوزين يضموه للتحقيق الدولي.
عبد الله النفيسي: وهذا سيؤكّد على الدور الأميركي في المنطقة والتدخل الأميركي في شؤون المنطقة وهذا سيمسح حتى النهاية كل المؤسسات المحلية من جامعة عربية والمؤتمر الإسلامي.. يعني سيُلغي تماماً دور الشعوب في المنطقة.
أحمد منصور: وتصبح أميركا هي الشرطي الذي يلجأ إليه الناس كلّما أصيب أحدهم أو طُعن أحدهم أو قُتل أحدهم؟
عبد الله النفيسي: بالضبط، فرنسا يا أحمد من شهرين، ثلاثة، ثلاثة آلاف سيارة تم إحراقها بالشوارع، قتلى وجرحى..
أحمد منصور [مقاطعاً]: طبعاً في التمرد الذي حدث.
عبد الله النفيسي [متابعاً]: منظمة العمل المباشر في فرنسا (كلمة بلغة أجنبية) هذه تخصصت في الهجوم على البنوك يا أحمد، تدخل البنك وتأخذ أموال الناس وتمشي، لدرجة أنّه الناس في فترة من الفترات سحبوا أموالهم من البنوك، معي يا أحمد؟ لم تلجأ..
أحمد منصور: فرنسا.
عبد الله النفيسي: فرنسا إلى.. مع أنها تعلم أن قيادات منظمة العمل المباشر موجودين في كورسيكا أو موجودين هنا أو هناك.
أحمد منصور: معنى ذلك أن التدويل هو نهاية للسيادة؟
عبد الله النفيسي: أنا أظن ذلك ومنظمة إيتا الإسبانية صار لها فوق الخمسة وثلاثين سنة تقوم بأعمال العنف داخل إسبانيا، قتلت مسؤولين وقتلت وزراء وخطفت رجال أمن وتدخّلت في البرلمان وقصفت البرلمان، لم تدع إسبانيا إلى تحقيق دولي ولم تلجأ إلى الأمم المتحدة ولم تلجأ إلى.. ليش؟ لأن هذا غير معهود في الحياة الدولية ولكن أنا أقول بأن هذا التدويل الذي تسعى إليه بعض الأطراف عندنا في الشرق الأوسط هو فرض أميركي علينا لكي يُسهّل الضغط والتصرف بالأزمة الكبيرة في المنطقة اللي هي أزمة الصراع العربي الإسرائيلي.
أحمد منصور: يعني الآن الدخول أو احتلال العراق لم يُساعد في موضوع إسرائيل كما تقول، الآن موضوع لبنان وسوريا هو بداية لعملية التسوية هذه وأنّ تدويل أي قضية في أي دولة يعني نقص أو نهاية سيادة هذه الدولة..
عبد الله النفيسي [مقاطعاً]: ما فيه شك.
أحمد منصور[متابعاً]: ونهاية حتى المنظمات التي يمكن أن تقوم مثل منظمة المؤتمر، حتى عمرو موسى حينما ذهب إلى سوريا ولبنان حدث ما حدث في المبادرة التي قدمها لمحاولة إنهاء الدور العربي فيها، بعد هذا الذي يحدث في لبنان، هذا الذي يحدث في العراق هناك قضايا أخرى عرضة للتدويل، أقباط المهجر في مصر عقدوا مؤتمر في الولايات المتحدة في الشهر الماضي بعدها لم يكن زعيم الأقباط في المهجر كما يُطلق عليه مايكل منير يذهب إلى مصر.. ذهب إلى مصر التقى مع كبار المسؤولين المصريين، الرئيس حسني مبارك أصدر قرار في تسعة ديسمبر الماضي بتسهيل بناء الكنائس وترميمها خلال ثلاثين يوم من تقديم الطلب فقط، هل مطالب أقباط مصر أيضاً يمكن أن تدول وتدخل مصر في إطار تدويل وسحب جزء من سيادتها تحت حقوق الأقباط أو الأقليات؟ أسمع منك الإجابة بعد فاصل قصير، نعود إليكم بعد فاصل قصير لمتابعة هذا الحوار فابقوا معنا.

[فاصل إعلاني]

استخدام أميركا لمدخل الأقليات الدينية

أحمد منصور: أهلاً بكم من جديد بلا حدود في هذه الحلقة التي نستضيف فيها الدكتور عبد الله النفيسي لنقرأ في عملية التدويل التي تتم لكثير من قضايا المنطقة، تدويل في لبنان، تدويل في دارفور في السودان، تدويل مطلوب لبعض المناطق مثل الأقليات في الخليج وربّما الأقباط في مصر، قراءتك لمَا بعد مؤتمر.. المؤتمر الذي عقده الأقباط في مصر في واشنطن في الشهر الماضي ومطالبهم المختلفة والعطاء أو القرار الذي أصدره الرئيس مبارك في تسعة ديسمبر بفتح قضية أو تسهيل قضية بناء الكنائس وترميمها؟
عبد الله النفيسي: الولايات المتحدة يا أحمد بتجهّز كل الترسانة القانونية لحماية تدخلها في هذا الموضوع.. موضوع الأقليات الدينية في العالم..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هناك تقرير يصدر عن تقرير الأقليات مخصوص.
عبد الله النفيسي [متابعاً]: صدر من الكونغرس قانون الآن، قانون اسمه قانون الحماية الدينية للأقليات في العالم، قرأت ورقة حلوة لقس مصري قبطي اسمه إكرام لمعي..
أحمد منصور: أه، نعم، معروف.
عبد الله النفيسي: اللي هو الأستاذ بكلية اللاهوت بشبرا في القاهرة، يقول بالنص اللي.. هو راعي الكنيسة الإنجيلية في شبرا.. يقول إنّه يعتبر هذا القانون الأميركي كعلة للتدخل في شؤون مصر وشؤون الدول الأخرى وليس لحماية المسيحيين وهذا تأكيد من قس مسيحي بأن الغرض الذي تستهدفه الولايات المتحدة من هذا القانون ليس حماية الأقليات الدينية بقدر ما هو تخويل للولايات المتحدة التدخل في شؤون الدول الأخرى وعندنا في الخليج صور رهيبة في هذا الموضوع.
أحمد منصور: يعني بالنسبة لهذا أيضا يُلاحَظ أن هناك حديث في كل تقرير عن الأقليات في السعودية بالدرجة الأولى وأنّ الأقليات في السعودية مضطهدة ولا يُسمح لها ببناء الكنائس للممارسة.. يعني حقوقها، الأقليات في باقي دول الخليج.. هو روغر هاردي وهو محلل مشهور في الـ(BBC) نَشر في عشرين ديسمبر الجاري تقريراً عن المسيحيين في العالم العربي وقال أن عددهم كلهم لا يزيد عن عشرة ملايين ما بين ما يقرب من ثلاثمائة مليون عربي وقال إن هناك عملية التدويل هذه التي تتم.. قال هاردي إنّ الولايات المتحدة وبعض الأطراف الخارجية تبالغ في وصف حالة المسيحيين وتصويرهم على إنهم مهمشون وعلى وشك الانقراض.
عبد الله النفيسي: صح بس أحب أؤكّد إنّه الولايات المتحدة غير مهتمة في موضوع المسيحية بقدر ما هي مهتمة بتوفير كل آليات التدخّل التي تبرر التدخّل لها في دول الأطراف.
أحمد منصور: كيف تتمكّن من خلال هذا أن تبرر تدخّلها؟
عبد الله النفيسي: أنّه فيه قانون عندنا صدر من الكونغرس..
أحمد منصور [مقاطعاً]: عندك يُطبّق عليك تطبقه ليه عليّ أنا؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: لا الآن بتستعمل مجلس الأمن يا أحمد لتخويل تدخّلها.
أحمد منصور: هل يمكن أن نجد الولايات المتحدة غداً بتُحرّك القوانين ومجلس الأمن والشرعية الدولية للمطالبة مثلاً.. يعني فيه أزمة موجودة الآن في دول الخليج لا يلتفت لها كثير من الناس وهو أن دول مثل الإمارات، مثل الكويت، مثل قطر، مثل البحرين صار سكنها أقلية إلى جوار الأغلبية، الأغلبية هذه ربّما في دولة مثل الإمارات تكون غالبية مسيحية، أميركان على أوروبيين على غيرهم من.. هل يمكن المطالبة بأن يكون لهؤلاء حقوق ربّما في إدارة الدولة وفي حق تقرير مصيرها؟
عبد الله النفيسي: جداً يا أحمد وأنا أحذّر وأنا أنتهز هذه الفرصة من على شاشة الجزيرة لأحذّر شعوب الخليج من هذه الظاهرة وأذكّرهم بما حدث في سنغافورة، سنغافورة كانت جزء من الفدرالية الماليزية اللي هي دولة إسلامية، عندما أدرك الإنجليز بأنهم سيغادرون حتماً ورغماً عنهم سيغادرون ماليزيا وأنّ لهم مصالح عظيمة في ماليزيا ماذا فعلوا؟ شجعوا الهجرة الصينية إلى سنغافورة وعندما أصبحت هذه الهجرة الصينية أغلبية أوعزوا إليها بأنّه أنتم من حقكم حسب ميثاق الأمم المتحدة المطالبة بحق تقرير المصير.
أحمد منصور: وهذا ما فعلوه في جنوب السودان، هذا ما فعلوه في أتشيه، هذا ما فعلوه..
عبد الله النفيسي [مقاطعاً]: سنة 1965 جاء مندوب من الأمم المتحدة إلى الاتحاد الماليزي وقال لابد إن إحنا نقيم استفتاء في هذه المنطقة اللي هي سنغافورة وقام الاستفتاء وصوّت الصينيون يُطالبون بالانفصال عن الاتحاد الماليزي وأصبحت سنغافورة دولة سنة 1965.
أحمد منصور [متابعاً]: يعني ممكن الهنود في الإمارات يطالبوا بدولة مثلاً؟
عبد الله النفيسي: ممكن وممكن في دبي، أنت تمشي في دبي العرب في دبي مثل الفاكهة النادرة يا أحمد ولذلك ليس بمستبعد هذا الزخم من الهجرة الأجنبية إلى دبي أن تجعل منها كيان قابل للمُطالبة بحق تقرير المصير تحت ميثاق الأمم المتحدة وتنفصل دبي وتصبح دولة أجنبية في بحر عربي في الجزيرة العربية.
أحمد منصور: أنت تتحدث عن شيء مرعب ربّما لسكان هذه الدول لا يدركون أبعاده.
عبد الله النفيسي: نعم وحتى..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هل هذا سر أنهم اقترحوا في مجلس التعاون في الاجتماع الأخير أن تكون إقامة الناس في الخليج لا تزيد عن ست سنوات وهذه الأشياء؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: لا هذا مرتبط، هذا القرار مرتبط من الخوف والتخوّف والهاجس.
أحمد منصور: لكن يبدو أن الخرق اتسع على الرقع وهذا أمر ليس سهل؟
عبد الله النفيسي: أظن.
أحمد منصور: لأن الاقتصاد ممسوك بأيدي هؤلاء وأشياء كثيرة.
عبد الله النفيسي: أظن وما أشار إليه النائب المحترم في مجلس الأمة الكويتي السيد وليد الطبطبائي وهو رجل ثبت ورجل ثقة منذ كام يوم وتصريحه المهم بأنّه بناء الكنائس في الكويت أصبح ملفت للنظر بحيث أنّه المسيحيين في الكويت من الحاصلين على الجنسية الكويتية لا يتعدون كعدد يعني مائتان شخص ومع ذلك فهناك في الكويت لا يقل عن أربعين أو خمسة وثلاثين كنيسة، يعني كل خمسة لهم كنيسة وطبعا إحنا لا نطرح هذا دينياً إنّما الطرح سياسي، ليش؟ لأنّ الولايات المتحدة بتشجع..
أحمد منصور: معظم دول الخليج ربما باستثناء السعودية الآن سمحت ببناء كنائس وستظهر الكنائس ببنيانها حتى في دول ربّما ليس من سكانها مسيحيين.
عبد الله النفيسي: وهذا أمر ينبغي التنبه إليه لأنّ هذه الكنائس لم ترعاها الولايات المتحدة أو تشجعها الولايات المتحدة بناءً على حماسة دينية للمسيحية وإنّما كل هذه وسائل من وسائل وآليات التدخّل المستقبلي في شؤون..
أحمد منصور [مقاطعاً]: لكن يعني لم تنجح البعثات التبشيرية أو التنصيرية في المنطقة من أنها تصرف الناس.. يعني الناس متمسكة بدينها في هذه المناطق، ما هو الخوف الذي يمكن أن يشكله.. يعني لا يوجد خوف يبدو ما يريدوا يعني؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: لا الخوف إنك تكون موجود على أرضك آليات رمزية للتدخل، يعني هب أن خمسة عشرة..
أحمد منصور: إيه أشكال التدخّل التي يتيحها أو التي تتيحها هذه الصورة أو هذا الوضع؟ ما هي آليات وأشكال التدخل التي يمكن أن تحدث في دول الخليج تحت هذا الستار؟
عبد الله النفيسي: الهند الآن بيُطرح في البرلمان الهندي مسألة الاستفتاء في الخليج.. في البرلمان الهندي.
أحمد منصور: أي استفتاء؟
عبد الله النفيسي: استفتاء للأقلية الهندية داخل مدن الخليج.
أحمد منصور: يعني الأقلية الهندية ماذا تفعل في دول الخليج؟
عبد الله النفيسي: لا بالنسبة لمنطقة فيها كثافة هندية مثل دبي مثلاً.. يعني أول ما طُرحت في البرلمان هم ولذلك تمت..
أحمد منصور: أه أن يكون لهم حق..
عبد الله النفيسي: أن يكون لهم حق تقرير المصير في منطقة الخليج، فهمت كيف؟ يعني فور أن تكون عندك وجود فيزيقي على الأرض وتحميه قوانين خلاص..
أحمد منصور: وتمسك في يدك عصب من الاقتصاد مثلاً أو غيرها من الأمور الأخرى.
عبد الله النفيسي: خلاص.. يعني الاقتصاد..
أحمد منصور: وتصبح الدول هذه لا تستطيع الاستغناء عن هؤلاء لأنها مبنية عليهم وهم أصبحوا عُمُد لها.
عبد الله النفيسي: قد تكون البنية التحتية كلها العمالية تعتمد على..
أحمد منصور: والتجارية.
عبد الله النفيسي: والتجارية، فهمت كيف؟
أحمد منصور: والاقتصادية.
عبد الله النفيسي: فالكنيسة بالنسبة للولايات المتحدة ليس مكان للعبادة.
أحمد منصور: وإنّما أداة للتدخل.
عبد الله النفيسي: أداة للتدخل وهذا الأساس..
أحمد منصور [مقاطعاً]: أنت بتتكلم عن شيء خطير.
عبد الله النفيسي [متابعاً]: وهذا الأساس الفلسفي..
أحمد منصور: سيناريو مرعب للخليج.
عبد الله النفيسي: وهذا الأساس الفلسفي لفكرة حماية الاقليات الدينية اللي صدر من الكونغرس.
أحمد منصور: الخليج الآن..
عبد الله النفيسي [مقاطعاً]: لابد أن ينتبه شعوب الخليج لهذا التنامي اللي تنمو الكنائس مثل الزعتر البري في شريط النفط ما بين الكويت ومسقط وأنا أؤكّد بأنّ هذا ليس عداءً لأي دين أبداً إنّما الولايات المتحدة تنظر لهذا الأمر على أساس إنه وسيلة من وسائل التدخّل.
أحمد منصور [متابعاً]: هل يمكن ده يكون جزء من سيناريو بعد العراق، بعد لبنان، بعد دارفور، بعد هذه المناطق تُصبح هذه المنطقة هي المنطقة اللي ربّما أهلها الآن يعتقدون أنهم الأكثر استقراراً وأماناً واطمئناناً والبورصة ملعلعة هنا وهنا والدنيا مستقره فجأة يلاقوا أنفسهم لا يملكون.. يعني السيادة على دولهم؟
عبد الله النفيسي: ليس هذا فحسب يا أحمد، الآن فيه قانون جديد سعت الولايات المتحدة إلى تعميمها على العالم اللي هو قانون بث الكراهية بين الشعوب، يعني قانون يُجرّم أي وثيقة تبث الكراهية بين الشعوب وهذا القصد هم يقصدوا به القرآن الكريم ولذلك دار.. فيه وفود أميركية تلف على العالم الإسلامي ومنها ليز تشيني اللي هي بنت نائب الرئيس دارت علينا في الخليج هنا في الجزيرة العربية تحذّر من تعليم الأجيال كل الآيات في القرآن المتصلة باليهود والعداء لليهود على أساس..
أحمد منصور: المناهج تغيرت في معظم الدول الإسلامية والخليج.
عبد الله النفيسي: على أساس أن هذه آيات تبث الكراهية بين الشعوب، فهمت كيف؟ فأصبحت هناك قوانين تصيغها الولايات المتحدة..
أحمد منصور: فيه جزئية كمان خطيرة..
عبد الله النفيسي: لمحاربة حتى النص الديني ولذلك من الممكن بعد فترة من الفترات يأتي اليهود ويقولوا إحنا نعتبر القرآن الكريم وثيقة تبث الكراهية بين الشعوب، صح ولا لا؟ ولذلك يحظر تداوله.
أحمد منصور: الآن بيقال لو كان ربّما ليس بصوت مسموع وإنّما بتجزيء للآيات.. يعني هذه السِوَر فيها كذا هذه السِوَر فيها كذا.
عبد الله النفيسي: وحذفت الآيات من مناهج كثيرة في الدول العربية والإسلامية بناء على هذا القانون.
أحمد منصور: الآن في اجتماع المجلس التعاوني الخليجي الأخير تحدثوا عن درع الجزيرة وحله، ما مدى قدرة دول الخليج على حماية أمنها؟ هل لديهم قدرة على حماية أمنهم الداخلي؟
عبد الله النفيسي: أبداً أنا أعتقد بأنّ ما لم تحصل صحوة شعبية كبيرة على كل مستوى، على مستوى الحُكم وعلى مستوى المَحكوم، ما لم تحصل صحوة شعبية ورسمية كبيرة تتعاطى مع هذه القضايا بكل جدية، ما لم يحصل هذا فهولاكو قادم.
أحمد منصور: يعني الخليج على شفا خطر عظيم؟
عبد الله النفيسي: جداً، أنا أرى إنّ هذا مو بعيد.
أحمد منصور: مو بعيد؟
عبد الله النفيسي: لا أنا لست متشائم والذي يُحافظ الآن على..
أحمد منصور [مقاطعاً]: كنا تكلمنا يا دكتور إن من أربعين سنة بس انفصلت سنغافورة عن ماليزيا من أربعين سنة فقط..
عبد الله النفيسي [متابعاً]: نعم من 1965.
أحمد منصور: وكل يوم فيه سيناريو للانفصال والسودانيين أجبروا أن يمنحوا الجنوبيين حق تقرير المصير خلال خمس سنوات.
عبد الله النفيسي: تيمور الشرقية دولة الآن، دولة برعاية من المجلس الكنائسي العالمي، وين هذه الدولة؟ في الأرخبيل الإسلامي الإندونيسي الضخم، أكبر دولة في العالم الإسلامي إندونيسيا اجتزؤوا منها تيمور الشرقية ورفعوا علم وأعطوها مقر في الأمم المتحدة ولها سفارات بدعم من مجلس الكنائس العالمي..
أحمد منصور: حينما تتحدث عن..
عبد الله النفيسي: وعندما حصلت البوسنة والهرسك وقال العالم الإسلامي وقالت المنظمة العالمية الإسلامية أنه لابد من إنقاذ إخوانا المسلمين في البوسنة والهرسك مُنعت كل الدول الإسلامية من التدخّل في هذا الموضوع ودخلت الولايات المتحدة عبر اتفاقية دايتون لمنع قيام أي كيان إسلامي في أوروبا، لمَ؟ لأنّهم يقولوا كل المحيط غير إسلامي فكيف ينشأ كيان إسلامي، طيب كيف ينشأ كيان مسيحي في تيمور الشرقية في وسط الأرخبيل الإسلامي؟
أحمد منصور: وكما قلت أنت هم لا يحلون القضايا وإنّما يمسكون بخيوطها، قضية البوسنة لم تُحل والآن يمسكون بخيوطها وبعد عشرة سنوات أو أكثر من اتفاق دايتون الآن يُطالبون بتغيير الأمور وهناك مُفوّض أوروبي هو الذي يدير البوسنة ليس هناك..
عبد الله النفيسي [مقاطعاً]: هذه سياسة خارجية أميركية، الإمساك بخيوط الأزمة وإدارتها وتطويعها لصالح الولايات المتحدة وتغذية النزاعات الخفيفة المحدودة المحكومة إستراتيجياً، هذه سياسة يعني.
أحمد منصور [متابعاً]: في ظل هذه الصورة باختصار قول لي إيه السيناريوهات التي تنتظر الخليج في ظل هذه المخاطر؟
عبد الله النفيسي: كل هذا يعتمد على ما سيحصل في العراق يا أحمد، العراق أصبح حفرة كبيرة للولايات المتحدة.. يعني حققت فيها شيء وبقي على الولايات المتحدة الكثير لتحقيقه، فإذا تمكنت الولايات المتحدة من حل أزمتها في العراق بطريقة.. يعني ناجحة فأظن بأنّ الخليج والجزيرة هي الخطوة القادمة.
أحمد منصور: بس إحنا بنلاقي الأمور بتوصل بسرعة لمرحلة دراماتيكية، يعني مثلاً سوريا في الوقت التي كانت تعيد نشر القوات في لبنان وترفض الخروج من لبنان في خلال ساعات وأيام خرج السوريين من لبنان وتغيرت الدنيا كلها أيضاً، ممكن في خلال ساعات يستصدر قرارات والدنيا تتغير في الخليج؟
عبد الله النفيسي: طبعاً، ما الذي يمنع من ذلك، يعني الآن الولايات المتحدة تتعامل مع دول مجلس التعاون بالفاكس يا أحمد، مش حتى بسفير.. يعني معايا ولا لا؟ بالفاكس يعني، احضروا هنا، روحوا هناك، سووا كذا، الحسن اللي هو ولي العهد الأردني السابق يقول لقد ذهبنا إلى مدريد بمذكرة جلب.. مذكرة جلب وإذا في محامي بيشوف المشاهد يعرف ماذا تعني مذكرة جلب.. يعني إحنا غير راضين عن الذهاب إلى مدريد بس حملونا بالطيارة وروح ووقع وأتفق وكذا، هكذا تتعامل الولايات المتحدة مع الدول العربية والإسلامية.
أحمد منصور: اسمح لي ببعض الأسئلة من المشاهدين، وفاء اسماعيل من الإمارات تفضلي بسؤالك يا وفاء.
وفاء اسماعيل- الإمارات: السلام عليكم.
أحمد منصور: عليكم السلام.
وفاء اسماعيل: تحية للأستاذ الدكتور عبد الله النفيسي أنا بس السؤال بسرعة كده علاطول عارفة الوقت ضيق، بأسأل سؤال على القرار 1559 وهدفه الأساسي هو القضاء على المقاومة في.. اللي هي مقاومة حزب الله لفرش أرضية في لبنان اللي تسمح لإسرائيل بالأمن أو تحقق لإسرائيل الأمن، أليس هذا القرار جزء من الإستراتيجية الأميركية أيضاً الصهيونية..
عبد الله النفيسي [مقاطعاً]: شكراً أخت..
وفاء اسماعيل [متابعةً]: لا.. فيه بقية السؤال، هو خط أنابيب كركوك حيفا.. الضغط على سوريا ولبنان دلوقتي أو الضغط على سوريا والأمور اللي بتحصل كلها في لبنان أليس برضه هدف.. ده هدف اقتصادي عايزه تحققه إسرائيل أو أميركا في المنطقة؟ شكراً.
أحمد منصور: شكراً لكِ تفضل يا دكتور؟
عبد الله النفيسي: سؤالها ما سمعته.
أحمد منصور: آه لم تسمعه يبدو.. كنت نبهتني طلبت منهم يرفعوا السماعة داخل الأستوديو، السؤال هو أليس القرار 1559 هدفه الأساسي القضاء على المقاومة في جنوب لبنان وفي نفس الوقت تحقيق الإستراتيجية الأميركية في هذا الموضوع والجزء الثاني من السؤال هل خط أنابيب كركوك حيفا الضغط على سوريا ولبنان هو جزء من تنفيذ هذا الخط والإستراتيجية بين الربط بين العراق وإسرائيل؟
عبد الله النفيسي: بالنسبة للشق الأول هذا صحيح إنه القرار اللي ذكرته السائلة إنّه وسيلة من وسائل تنفيذ الإستراتيجية الأميركية، أما الخط اللي هو كركوك حيفا فهذا.. هذه فكرة إسرائيلية قديمة تُطالب به وكما تُطالب بخط مياه أيضاً، لأن العراق عندها فائض من المياه في الفرات لولا تدخل الأتراك في سد أتاتورك ولكن هذا الأمر ليس هو بالذات سبب للأزمة، يعني هذه أفكار إسرائيلية تُطالب بها إسرائيل منذ فترة طويلة.
أحمد منصور: محمد العنزي من الكويت، أخ محمد تفضل سؤالك.
محمد العنزي- الكويت: السلام عليكم.
أحمد منصور: عليكم السلام، هل تسمع يا دكتور؟
محمد العنزي: تحية للدكتور عبد الله النفيسي وكذلك لك أحمد.
أحمد منصور: شكراً، سؤالك.
محمد العنزي: سؤالي أنا أتفق مع الدكتور على موضوع الخطر الهندي في الخليج العربي ولكن أنا لا أتفق معه بخصوص النظام السوري وجرائمه في لبنان، نحن لا نريد التدويل ولكن ما الحل مع هذا النظام البعثي أو العبثي الذي يستهدف قيادات الشعب اللبناني والشعب اللبناني نفسه؟ ما الحل معه يعني؟
أحمد منصور: شكراً.
عبد الله النفيسي: يعني الولايات المتحدة لا تهتم بهذه الانتماءات، إسلامي، بعثي، علماني، غير علماني، لمّا تنظر إلى الكرة الأرضية لا ترى هذه الانتماءات..
أحمد منصور [مقاطعاً]: وهناك تقرير منشور اليوم في الغارديان يقول كيف أنّ الولايات المتحدة تتهم سوريا وكانت تبعث لها الناس لتعذيبهم وانتزاع الاعترافات منهم؟
عبد الله النفيسي [متابعاً]: عندما ينظر الإستراتيجيون في الولايات المتحدة إلى الكرة الأرضية يشوفوا أحزمة نفط، أحزمة مطاط، أحزمة أخشاب، أحزمة نحاس وكيفية الاستيلاء عليها، مين موجود في الطريق هذا مو قضية عند الأميركان ولذلك الأميركان آخِر مّن يُفكّر في هذه الانتماءات اللي ذكرها الأخ السائل، علاجنا علاج داخلي وليس علاج بالتدخّل الدولي.

سبيل الخروج من عملية التدويل

أحمد منصور: كيف؟ الآن هل هناك مَخْرج من عملية التدويل التي يمكن أن تخضع لها مصر، لبنان، الخليج، السودان ولا نعرف ما هي الدول القادمة بعد ذلك أم أنّ الأمور فلتت الآن ويعني الكل قادم علية الدور لا محالة؟
عبد الله النفيسي: لا المسائل دائماً في السياسة يا أخ أحمد نسبية.. يعني ليس هناك انتصار 100% وهزيمة 100%.. يعني مش أسود وأبيض، يعني هناك مؤسسات موجودة في العالم العربي اللي هي الجامعة العربية على ضعفها، مؤسسة المنظمة الإسلامية.. المؤتمر الإسلامي، فيه دول فيه قيادات..
أحمد منصور [مقاطعاً]: بس ما فيش إرادة.
عبد الله النفيسي [متابعاً]: إرادة.. هذه الإرادة إذا توفّرت لقياداتنا في دول كبيرة مثل مصر، مثل المملكة العربية السعودية، مثل سوريا، مثل العراق..
أحمد منصور: يعني الإرادة هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يُفلت هذا المخطط للتدويل؟
عبد الله النفيسي: وأظن الإرادة هذه لو بس تم التركيز على موضوع التوعية ومخاطر ما نحن فيه، يعني تدويل أخطر خطر الآن، يعني الآن الولايات المتحدة بتتدخّل في الموضوع الفلسطيني منذ بدايات الخمسينيات..
أحمد منصور: منذ الحرب العالمية من 1946.
عبد الله النفيسي: وهم حريصين كما يبدو على عملية ما يسمونها عملية السلام، هم حريصون على العملية وليس على السلام، يعني أن تستمر الـ(Process) هذه..
أحمد منصور: يعني فَهم المصطلحات مهم؟
عبد الله النفيسي: جداً.
أحمد منصور: في دقيقة بقيت، كيف تنظر إلى خريطة المنطقة في ظل هذه المخاطر والمخاوف التي تتعرض لها؟
عبد الله النفيسي: والله بؤرة الصراع الآن في العراق يا أخ أحمد، بؤرة الصراع في العراق، الامتحان الكبير للأمة في العراق، إذا استطاعت الولايات المتحدة أن تغادر بدون ما يكون على وجهها دم وجروح وتغادر بسلام معناها إحنا فشلنا في تمريغ هذا الوجه في الوحل العراقي وتأديبه في العراق، لأنّه إذا لم يؤدب في العراق سيكون الدور علينا في الجزيرة العربية ودول أخرى.
أحمد منصور: شكراً جزيلاً لك دكتور عبد الله النفيسي، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن متابعتكم آملاً أن نكون قد قدمنا لكم شيئاً مميزاً في هذه الحلقة، في الختام أنقل لكم تحيات فريق البرنامج وهذا أحمد منصور يحييكم بلا حدود والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته.

Wednesday, December 14, 2005

هل أنت علماني؟

جريدة الأهرام
الثلاثاء 22 نوفمبر 2005 , ‏20 من شوال 1426 هـ ، ‏السنة 130 - العدد 43450

بقلم : جمال الشاعر

أنا مسلم علماني‏..‏ قالها مهاتير محمد لخصومه السياسيين ولمواطنيه الماليزيين المسلمين‏..‏ أولئك الذين حاولوا ابتزازه سياسيا باسم الاسلام‏..‏ حاول رئيس وزراء ماليزيا الاسبق فك الاشتباك بين الحداثة والعلمانية والاسلام والاسلاموية‏..‏ أعلن أنه منحاز للحداثة وأن الاسلام فيه طاقة حداثية مدهشة لم يفطن اليها لا المسلمون أنفسهم ولا العلمانيون‏..‏ السؤال الصعب هو ما الذي يعوق الاسلام لكي يصبح حداثيا‏..‏ ببساطة المشكلة هي في العلمانية‏..‏ علاقة الدين بالدولة بالسياسة‏..‏ أوروبا قامت بالفصل بين القوات‏..‏ بين الكنيسة والدولة‏..‏

تجربتها كانت مريرة في العصور الوسطي ولديها كل الحق‏..‏ كانت سطوة الكنيسة معوقة للتقدم الحضاري ومحتكرة للعلوم والابداع وحركة الاقتصاد وتمثل كذلك مرجعية حاكمة للملوك والامراء‏..‏

ومارست كل انواع الابتزاز تحت غطاء ذهبي طقوسي اسمه صكوك الغفران‏..‏ ضج الاوروبيون بذلك فتمردوا ودفعوا ثمنا غاليا‏..‏ جاليليو حاول تحرير العلم من سطوة الكنيسة‏..‏ قال بكروية الارض فتم تكفيره‏..‏ دانتي الليجيري اتجه لتحرير الابداع وتمرد علي اللغة اللاتينية الكهنوتية وكتب الكوميديا الالهية باللهجة الايطالية‏..‏ ماركس مهمته كانت تحرير الاقتصاد من قبضة الكنائس وجاء بعد ذلك ليلخص الازمة والصراع بين الكنيسة والدولة في عبارته الشهيرة‏:‏ الدين أفيون الشعوب‏..‏ هل الدين افيون الشعوب في الشرق الاوسط ايضا وفي العالم الاسلامي ؟‏..‏ نعم ولا‏..‏ نعم لأننا تخلفنا في فهم عبقرية الاسلام‏..‏

وتحول الامر الي عبادات بالعادات وارهاب فكري لمن يحاول الاجتهاد‏..‏ فالتهمة جاهزة‏(‏ حد الردة‏)(‏ وحد الحرابة‏)..‏

العلمانيون معذورون‏..‏ هم يرون النموذج الغربي كمنتج متكامل في شكله النهائي‏..‏ اكتمل المشروع الغربي ونجح في القرن الماضي في احداث وفرة وطفرة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل‏..‏ والاسلام لم يقدم هذا المشروع ولا النظرية الحداثية حتي الآن‏..‏ الدين بريء وليس هو السبب وليس افيون الشعوب في العالم الاسلامي لماذا‏..‏ لانه قدم النموذج إبان العصرين الأموي والعباسي وما قبلهما من إرهاصات‏..‏ حين استوعبت الأمة صدمة الحداثة فانتقلت من ميراث الجاهلية الي نور النبوة الي انفتاح علي المنجز الحضاري العالمي حينها‏..‏ الإغريقي والروماني والفارسي‏..‏

وتم انتاج حداثة اسلامية أفرزت شلة من الحداثيين ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وابن رشد‏..‏ وغيرهم كثيرون‏.‏

وانتجت علمانية اسلامية علي يد معاوية بن ابي سفيان‏..‏ أول علماني مسلم حاول تأسيس دولة سياسية وليست دينية عندما رفض فكرة الدولة الثيوقراطية‏,‏ وكان الثمن فادحا والشهداء كثيرون من الصحابة وآل البيت وصولا الي مأساة الحسين رضوان الله عليهم أجمعين وصار الحسين رمزا وقد استشهد في كربلاء‏..‏

هل العلمانية الاسلامية‏..‏ علمانية معاوية هي النموذج الأمثل الثاني في الخيارات المتاحة بعد العلمانية الغربية؟‏..‏ السؤال يقودنا الي تجربة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين‏..‏ وهي التي تجعل العقل الجمعي والمسلمين يرون طريقا ثالثا للحداثة‏...‏ والطريق الثالث هو خلافة اسلامية مستنيرة وعادلة‏..‏ العدالة تأتي في معادلة الحداثة كبديل مقبول عن الديمقراطية‏..‏ إذا ما كانت غاية الديمقراطية هي العدالة والمساواة‏..‏ فأهلا بخلافة تحقق الهدف‏..‏ ولكن المعضلة هنا‏..‏ أن الأمر يصبح موكولا بشخص الخليفة لا بالنظام المؤسس والآليات التي تفرز دائما أنساقا ومناخات وقادة يحققون ديمومة الحداثة للأمة‏..‏

طيب رجب أردوجان هو مسلم علماني آخر‏..‏ والاسلام التركي يحاول صنع معجزة توأمه الدين مع العلمانية‏..‏ وايران الجمهورية والآيات تحاول تجاوز ولاية الفقيه الي اسلام علماني‏..‏ والسعودية الحكام فيها ليسوا رجال الدين‏..‏ هل هو اسلامي حداثي اذن؟ هل هي علمانية اسلامية تعتمد منطق عقلنة السلطة واستبدال السلطات التقليدية بمؤسسات مدنية‏..‏ المتعصبون علي طرفي النقيض‏..‏ فريق يرفض حداثة الغرب جملة وتفصيلا‏..‏ فلم ير منها الا الشرور والغزوات والمفاسد‏..‏ وفريق آخر يقول أي شخص ضد العلمانية هو جاهل‏..‏ بالمناسبة سارتر كان يقول كل شخص ضد الشيوعية كلب‏..‏

فهل لو حيا‏..‏ سيبقي علي موقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسور برلين؟‏!‏ فريق ثالث يرفض المزاوجة وفقه المواءمات فالاسلام دين ودولة بذاته والحداثة بدعة غربية‏..‏

عقدة الكنيسة أسلمت الغرب الي العلمانية وأخشي أن تسلمنا عقدة العلمانية الي جاهلية جديدة‏..‏ المفكر الجزائري مالك بن نبي يطمئننا بأننا في حالة هبوط اضطراري فقط وسوف تقلع طائرة الحضارة الاسلامية‏(‏ الحداثة‏)‏ مرة اخري عما قريب ولكنه لم يقل لنا كيف؟‏..‏

هيجنز يقول مشكلة الحداثة في الدول الفقيرة نفسية‏,‏ وأوسكار‏,‏ لويس يقول إلغاء الفقر أسهل من الغاء ثقافة الفقر والقديس بولس أحدث انقلابا في الفكر المسيحي عندما قال من لا يعمل لا يأكل‏..‏ إذن المشكلة نفسية ثقافية دينية‏..‏ والحداثيون رأوا الحل في الليبرالية والعلم وتحييد الدين‏..(‏ العلمانية‏)‏ مرة اخري وهي مستحيلة في الشرق الاوسط مهد الاديان حيث الحضور العقائدي والروحاني هو الحياة ذاتها‏..‏ اذن البديل هو نظرية اسلامية للنهضة أو اسلام علماني‏..‏ ومزاوجة بين الماء والنار‏..‏ وهي مهمة لا يقدر عليها إلا أصحاب المعجزات والشجاعة الفائقة أو المجانين‏..‏ فاحتسب احتياطاتك قبل ان تجاهر بأنك مسلم علماني‏.‏

Tuesday, December 13, 2005

ثــقــافــة الانـبـــــطاح

جريدة الأهرام
الثلاثاء 14 ديسمبر 2004م ، 03 ذو القعدة 1425 هـ

بقلم : جمال الشاعر

إذا اردت أن يكون لك أعداء كثيرون‏..‏ حاول ان تغير شيئا ما‏..‏ عبارة قالها الرئيس الأمريكي ويلسون منذ قرن من الزمان‏..‏ وهي ترجمة أمريكية للحكمة العربية‏..‏ الإنسان عدو مايجهل‏..‏ ومن هنا تتفجر عدة أسئلة مفخخة علينا الأقتراب منها بشجاعة‏.‏
‏1‏ـ هل نحن نريد التغيير؟
‏2 ـ كيف نريد هذا التغيير من الداخل أم الخارج؟
‏3‏ ـ التغيير الذي نريده‏..‏ هل هو سريع أم بطيء‏..‏ جذري أم تدريجي؟
‏4 ـ هذا التغيير سيتم بالقوة بالعنف أم بالاقتناع والاقناع والايمان بالفكرة؟
‏5‏ ـ هل للدين دور مركزي في الاصلاح والتغيير أم لا؟
‏6‏ ـ ماالذي نريده بالضبط ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة؟
السؤال الأخير كان هو عنوان مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بمراكش‏..‏ هناك جلس المؤتمرون حول الأسئلة الصعبة مثل فرسان المائدة المستديرة‏..‏ كل ألوان الطيف كانت موجودة هناك‏..‏ بطرس غالي‏..‏ أحمد كمال أبوالمجد‏..‏ فاروق الباز‏..‏ فهمي هويدي‏..‏ سناء البيسي‏..‏ علي أبومليل‏..‏ شاكر النابلسي‏..‏ محمود شمام‏..‏ عبدالهادي التازي‏..‏ مانع سعيد العتيبة‏..‏ حسن وجيه‏..‏ أحمد أبوزيد‏..‏ عبدالله التطاوي‏..‏ حسن نافعة‏..‏ صلاح فضل‏..‏ عمرو موسي‏..‏ علي فخرو‏..‏ ريما خلف‏..‏ وآخرون‏.‏
الأمير خالد الفيصل حاول ردم الهوة السحيقة بين السياسي والثقافي‏..‏ فجازف باشعال الحوار بين الوزراء والمثقفين والمفكرين‏..‏ وفي ندوة التغيير والإعلام قال مدير القناة الأمريكية الموجهة للعالم العربي‏..‏ إن الله خلقنا من ذكر وانثي وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف‏..‏ وهذه هي رسالة القناة الأمريكية التعارف والتعريف بثقافة الآخر‏..‏ وهي قناة اسم علي مسمي‏..‏ حرة في اتخاذ قراراتها تماما‏,‏ مجلس أمنائها تسعة أعضاء‏,‏ خمسة ديمقراطيين وأربعة جمهوريين‏..‏ ثم راح ينتقد المقاومة العراقية ويقول إنهم يقتلون الأبرياء باسم الله‏..‏ هنا وقف في القاعة من يردون عليه قائلين‏..‏ المثل الأمريكي الشهير يقول من يدفع للعازف هو الذي يختار اللحن‏..‏ فمن الذي يدفع لهذه القناة وعلي أي لحن سوف تعزف‏..‏ ماهي الرسالة الإعلامية الموجهة للعالم العربي‏..‏ ثم‏..‏ نحن كعرب ومسلمين نرفض تماما قتل الأسري أو تعذيب الأسري الاجانب‏..‏ انها وحشية مرفوضة‏..‏ لكن ماذا عن معاملة الأسري العرب في سجن أبوغريب وخلافه ثم السؤال الأكبر‏..‏ اذا كان هؤلاء يقتلون الرهائن باسم الله كما يقول‏..‏ فبأي اسم العراقيون يقتلون ويبادون وباسم من تتم عملية إبادة القري والاحياء في العراق وفلسطين إنها معادلات مغلوطة‏..‏
وطرح غريب وشاذ‏..‏ إن الجماهير العربية تبحث عن العدالة‏..‏ قبل أن تبحث عن الحداثة والتغيير‏..‏ ثم هل نحن مستفيدون من الحداثة والتغيير أم لا‏..‏ إذا لم يحس المواطن العربي بمكاسب سياسية واقتصادية تسهم في تحسين ظروفه المعيشية ومعاناته اليومية وتغيير واقع الاحتلال‏..‏ فانه سوف يبحث عن بديل‏..‏ والبديل لنظرية الحداثة في الطرح الراهن في المشهد السياسي هو النظرية الدينية‏..‏ أذكر انني قابلت سفيرة أمريكية في دولة خليجية وراحت تتناقش معي‏..‏ حول تصورات العالم العربي للتغيير‏..‏ فقلت لها‏..‏ الستم أنتم الأمريكيون اصحاب اختراع نظرية البراجماتية القائمة علي المنفعة المتبادلة والمصلحة وتحقيق المكاسب للطرفين‏..‏ قالت نعم‏..‏ قلت لها‏..‏ لماذا لاتكون الاطراف كلها مستفيدة من المواقف من التصالح من‏..‏

المشاركة في العلاقات أو في فض المنازعات‏,‏ قالت انت تقصد نظرية " ‏ winwintheory "
نظرية الاثنان منتصران قلت لها نعم مع العلم أنه لايوجد منتصر بدون خسائر ولكن ما يحدث في الشرق الأوسط الآن هو سياسة الانبطاح وعقود الاذعان‏..‏ وبالتالي لن تحدث استجابات لا سريعة ولاكسيحة لاي نوع من انواع الاصلاح والتغيير‏..‏ اقرئي ما نشر في النيوزويك منذ اعوام‏..‏
سأل الصحفي الأمريكي طفلا فلسطينيا‏..‏ ماذا ستشتري اذا حصلت علي بعض النقود‏..‏ قال الطفل الفلسطيني‏..‏ بندقية‏..‏ وماذا سوف تشتري لو حصلت علي أموال أكثر؟ قال الطفل‏..‏ دبابة‏..‏ ويواصل الصحفي الاسئلة قائلا‏..‏ انك تفكر بعقلية المحارب ماذا لو كانت معك هذه الأموال وليست هناك حروب‏..‏ بل سلام‏..‏ قال الطفل سأشتري جهاز تليفزيون‏..‏ ثم ماذا لو كانت لديك مبالغ أكبر قال‏..‏ هاتف نقال‏..‏ ثم ماذا‏..‏ قال دراجة بخارية‏..‏ فنحن اذن جاهزون للتغيير اذا تم السلام‏.‏
ابن خلدون يقول المغلوب مولع بتقليد الغالب‏..‏ ونحن والحمد لله رواد التغيير الاعمي‏..‏ انظروا إلي حال التليفزيونات العربية في برامج الترفية والدراما‏..‏ والمرء تنتابه الدهشة‏..‏ إذا كان هناك استعداد وشوق كبير للتغيير طواعية فلماذا الجيوش والحروب والاحتلال والقتل والدمار؟ عجبا‏.‏برجنسكي يقول‏:‏ التليفزيون يقوم بدور أهم من الكنيسة والمدرسة والجيوش‏.‏
لقد بدأ التغيير بالفعل كما يقول كثير من المفكرين بدخول التليفزيون وتحويل مائدة الطعام العربية المستديرة الطبلية إلي مائدة مستطيلة حيث لاينظر افراد العائلة إلي بعضهم البعض ولكن إلي الوافد الجديد‏. عود علي بدء‏..‏ يمكن استخلاص بعض الأفكار والاجابات من مؤتمر ثقافة التغيير علي النحو التالي‏.‏
أولا ـ المواطن العربي إما برميل بترول أو إرهابي محتمل وهذه الصورة التي وصفها الراحل إدوارد سعيد مازالت ماثلة في اذهان الغرب وهي تحتاج إلي انتفاضة ثقافية إعلامية وآلية للحوار لتغييرها‏..‏ فنمور التاميل عندما يفجرون انفسهم لايوصفون بأنهم انتحاريون بوذيون وعمليات الجيش الايرلندي لاتوصف بانها عمليات إرهابية كاثوليكية‏.‏
ثانيا ـ جوبلز كان يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة اتحسس مسدسي‏..‏ والمواطن العربي يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة التغيير اتحسس عقيدتي‏..‏ فما هو المقصود بالتغيير؟
ثالثا ـ صدمة المستقبل كما يقول الفن توفلر هي تأتي من الحاجة للتغيير الفوري والتغيير يأتي من أعلي فالناس علي دين ملوكهم‏..‏ ومن أسفل‏..‏ ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏.‏
رابعا ـ نريد تغييرا يحقق لنا أحلامنا في جيش قوي وبلد غني ويصبح ذلك هو شعارنا وان يكون بيدنا لابيد بوش وسلميا وليس عنيفا وتدريجيا وليس انقلابيا وجذريا‏..‏ ولكن علي كل المطالبين بالتغيير ان يطرحوا سيناريوهات قابلة للتطبيق وذلك إعمالا للحكمة القائلة لاتخبرني انك خفيف الظل ومضحك‏..‏ فقط قل لي نكتة‏..‏ استدراك مهم جدا اخشي ان يتحول مصطلح ثقافة التغيير إلي نكتة‏.

Monday, December 05, 2005

«مصر المحظورة»


الاثنيـن 05 ذو القعـدة 1426 هـ ، 5 ديسمبر 2005 العدد 9869
بقلم : د. مأمون فندى

فوز جماعة الاخوان المسلمين «المحظورة» في الانتخابات البرلمانية المصرية هو أمر مقلق على مستقبل اكبر دولة في «الشرق الأوسط» لأنه يعكس مشكلة كبرى داخل النظام السياسي المصري، كما أنه جزء من لعبة خطيرة بين أميركا والنظام المصري، أقول فوز جماعة الاخوان، واعني ذلك، رغم ان الارقام لا تعكس ذلك، فالاخوان حتى الآن لديهم أكثر من سبعين مقعداً، وقد يصل هذا العدد إلى ما يقارب مائة مقعد. أما الحزب الوطني الحاكم فهو على سبيل المثال لم يحصل على نسبة عشرة في المائة من دوائر محافظتي قنا والاقصر اللتين شهدت انتخاباتهما نفس النسبة، رغم ان الحزب الوطني على الورق فاز بعدد اكبر بعد ان انضم اليه من فاز من المستقلين. إذن الحزب الوطني اصبح مثل شقة مفروشة فمن اراد ان يستأجرها لفترة برلمانية واحدة يهدف الى تحقيق بعض الخدمات وليس لدور تشريعي للاعضاء.
فوز الجماعة المحظورة كما ذكرت هو مشكلة نظام كامل ولا غرابة في ذلك. فإذا نظرنا إلى مؤسسات المجتمع الرسمية من المدرسة، إلى المحاكم، إلى مؤسسة الزواج، إلى الاقتصاد، نرى بوضوح لا مجال لشك فيه، ان المؤسسات الرسمية والقانونية (Formal institutions) تتراجع أو تتآكل وربما تنهار في مواجهة المؤسسات غير الرسمية أو المحظورة والعرفية (inFormal institutions) وبهذا لا تكون هناك غرابة في فوز جماعة الاخوان المسلمين او اي جماعة اخرى غير رسمية، ولا غرابة ايضا ان يفوز المستقلون الذين يمثلون جماعات عرفية مثل القبائل في الصعيد على حساب الاحزاب الرسمية مثل الوطني والوفد والتجمع الخ..
هناك عشرون حزباً مصرياً غير الوطني لم تفز بعشرة مقاعد مجتمعة، أي أن القانوني والرسمي من الاحزاب ما هو إلا ديكور أو قشرة فارغة لا تحتوي إلا على صحيفة اسبوعية أو يومية وجماعة من الأفندية يتعيشون على التنطع وعلى دعم الدولة.. احزاب بلا جذور يجب حلها او الغاؤها تماماً لانها كذبة كبرى كما اثبتت الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
كما ذكرت، مشكلة الجماعة المحظورة هي مشكلة نظام بأكمله، ولننظر الى مكونات المجتمع الاخرى كي تتضح الصورة.
التعليم في مصر مثلاً لا يحدث في المدرسة، المدرسة هي مبنى مفرغ (Front) مثلها مثل كشك السجائر الذي يستخدمه رجال المباحث احيانا أو بائعو المخدرات كغطاء لاعمالهم الحقيقية، التعليم في مصر يحدث في البيوت في الدروس الخصوصية، مرتب المدرس الذي يتقاضاه نتيجة لعمله في المدرسة لا يساوي حتى واحدا في المائة مما يتقاضاه من الدروس الخصوصية، مثله مثل صاحب كشك السجائر بائع المخدرات خلف الكواليس، سجائر في النور، ومخدرات في الظلام. اذن تراجعت المدرسة واصبح دورها هامشياً مقابل الدروس الخصوصية.
وهناك أيضا تراجع مؤسسة الزواج الرسمية مقابل تصاعد ظاهرة الزواج العرفي حتى بين المتزوجين، وبذلك تصبح مؤسسة الزواج الرسمية مجرد قشرة أو غطاء مثلها مثل حزب الوفد أو التجمع، بينما الممارسات الحقيقية تحدث في الزواج العرفي، وزواج المتعة. زواج المتعة معناه أن هذا النوع من الزواج ممتع بينما الزواج الرسمي غير ممتع. اذا كان هذا هو حال الزواج في مصر اي زيادة نسبة المحظور على الرسمي فما الغرابة في أن تفوز جماعة الاخوان المحظورة على حساب الاحزاب «غير المحظورة» الاحزاب العرفية المفرغة من المضمون.
فوز المحظورة وسيطرتها على حساب الرسمية هو ايضاً ما يحدث في الاقتصاد، فكل دارسي الاقتصاد يقولون لنا وبوضوح ان حجم الاقتصاد غير الرسمي (unformal Economy) اكبر بكثير من الاقتصاد الرسمي، أي ان الاموال المكتنزة «تحت البلاطة» اكبر بكثير من الاموال المودعة في البنوك المصرية. ورغم وجود أموال كثيرة في المجتمع المصري إلا أن مشكلة مصر الحقيقية كانت خلال الخمس سنوات الماضية مشكلة سيولة مالية في البنوك رغم ان السيولة موجودة تحت البلاطة. فإذا كان الاقتصاد اكبر تحت البلاطة منه داخل البنوك والمؤسسات المالية الرسمية، أي أن الاقتصاد المحظور اكبر من الاقتصاد المنظور، اذن ما الغرابة في ان تحصل الجماعة المحظورة على كراس اكثر في البرلمان من الجماعات التي تبدو رسمية على السطح رغم أنها مفرغة من أي محتوى حقيقي ينفع الناس؟!
اذن من التعليم الى الزواج إلى الاقتصاد يتراجع الرسمي ويتعاظم دور المحظور، فما الغرابة في ان تفوز الجماعة المحظورة ضد الجماعات المنظورة، المصريون لا يثقون بالرسمي على ما يبدو ، يفضلون الاقتصاد المر على الاقتصاد الحر، يفضلون الدروس الخصوصية على التعليم في المدرسة. هذه المشكلة التي تضرب في عمق الدولة والمجتمع هي مشكلة شاملة (Systemic Problem) وليست مشكلة الاخوان المسلمين، وان لم تحل بشكل منظم يبدأ من المدرسة الى المصنع الى البنك الى الزواج، فمهما صرخنا «فاول» في حالة فوز الاخوان فإن المجتمع لن يسمع. فالمشكلة هي ان «مصر المحظورة» أكبر بكثير من «مصر المنظورة».
هذا على مستوى مشكلة النظام المصري، فماذا عن اللعبة المصرية الأميركية الخطرة التي اشرت اليها في بداية المقال؟!
يبدوأن استراتيجية النظام المصري التي سمحت للجماعة المحظورة بدخول الانتخابات المصرية وسمحت لها ان تحصل على ما قد يصل الى 20% (عشرين في المائة) من المقاعد البرلمانية، تهدف الى تخويف الأميركان من نتائج الانتخابات الحرة، لتستعرض مصر للأميركان عدد «الدقون» في البرلمان القادم حتى يذوقوا طعم ما ينادون به، سيرى الأميركان في البرلمان القادم، وسيسمعون حناجر الدقون الغاضبة التي ربما تعلن «الموت لأميركا» على غرار ملالي ايران من تحت قبة البرلمان. ومتى سمع الأميركان ذلك تراجعوا عن الضغط على النظام في اتجاه مزيد من الاصلاحات ومزيد من الحريات، سينزل الأميركان من على ظهر النظام. وبذلك تهرب الطبقة السياسية الحاكمة في مصر من دفع فاتورة الاصلاح. لا شك ان تلك مهارة سياسية من النظام، واعرف ان كثيرا من صانعي القرار في واشنطن «اغبياء» الى الحد الذي يجعلهم يصدقون لعبة التخويف بالدقون في البرلمان. ولكن اللعبة الخطرة لا تنتهي هنا.
فالأميركان لديهم لعبتهم ايضاً.
الأميركان فرحون بفوز الاخوان لسبب وحيد، في نظرهم وجود هذا العدد من الاخوان في البرلمان يضع ناراً تحت اقدام النظام من اجل مزيد من الاصلاحات، الأميركان يرون ضغط الاخوان يدفع النظام المصري لتنمية البدائل وتوسيع دائرة المشاركة لخلق بدائل للتيار الديني، أي ان هذا سيدفع النظام الى تجديد شرعيته بالالتحام اكثر بالشعب، فهل سيخاف الأميركان من الاخوان ويحتضنون النظام كما ترى الاستراتيجية المصرية، ام ان النظام سيستجيب لتحدي الاخوان ويفتح البلد كما يأمل الأميركان؟ وهل الاخوان لاعب اساسي في المعادلة ام ان ما يحدث هو حرفياً «ضحك على الدقون» أي أن الاخوان فقط أداة بين النظام والأميركان.
السؤال الآن هو: هل يتمكن الأميركان أو النظام المصري من السيطرة على الاخوان الذين يظنون أنهم أداة في ايديهم لتخويف كل منهم الآخر؟!
بالتأكيد لن يستطيع اي منهما السيطرة على الاخوان ليس لانهم جماعة منظمة وسرية كما يظن البعض، ولكن لان الاخوان هم جزء من ظاهرة اكبر وهي ظاهرة «مصر المحظورة» التي تتعاظم على حساب «مصر المنظورة»، أي أن الاخوان وأي جماعة محظورة اخرى في مصر هي التي تلبي رغبات المزاج المصري، لان المزاج المصري اليوم يفضل الممنوع على المسموح، يفضل العمل تحت الطاولة عن العمل فوقها، العمل في الظلام لا العمل في النور. هذه ممارسات مصرية يومية، فالمصري اليوم لا يؤمن بالمرور بالقنوات الشرعية القانونية لتحقيق مطالبه بل يفضل الواسطة والتحرك خارج الشرعية.
ما حدث في الانتخابات البرلمانية المصرية هو فوز لمصر المحظورة على مصر الرسمية. ما الحل إذن؟!
الحل هو تقنين مصر المحظورة من المدرسة الى الزواج الى الاقتصاد الى السياسة وادخالها في عالم القانون، الحل يكمن ايضا في ان تقول مصر كلمتها في الاحزاب الورقية الكاذبة القائمة، يكمن الحل ايضا في الاعتراف بأن ما حدث هو نتيجة لابتعاد الشعب المصري عن السياسة، فالذين صوتوا في هذه الانتخابات لا يصلو إلى 20%. هناك 80% من المصريين لم يشاركوا في الانتخابات، ذلك لفقدان الثقة في النظام الرسمي، والقبول بحياتهم في العالم المحظور غير الرسمي. ظاهرة مصر المحظورة تحتاج الى حوار وطني حقيقي، وان الحديث عن الاخوان بمعزل عن هذه الظاهرة هو ضحك على الدقون «وليس حلاً للمشكلة».

Wednesday, November 30, 2005

الباشا والفهلوي

جريدة الأهرام
الثلاثاء 9 اغسطس 2005 , ‏4 من رجب 1426 هـ ، ‏السنة 129 ، العدد 43345

بقلم‏:‏ جمال الشاعر


الباشا يسأل الطاهي‏:‏ ماذا تقول في الباذنجان؟ قال‏:‏ حلو لذيذ الطعم‏..‏ رد الباشا‏:‏ لكنه حار يعطش‏..‏ قال الطاهي‏:‏ إنه ملعون لا يؤكل‏..‏ قال الباشا‏:‏ حيرتني إنك كنت تمدحه حالا‏..‏ قال الطاهي‏:‏ أنا خدام الباشا ولست خدام الباذنجان‏..‏ ماذا تفعل لو كنت مكان الطاهي؟ هل ما قاله نفاق أم دهاء أم تحايل علي المعاش؟ سمه ما شئت ولكن هذا المنهج البراجماتي مازال يسيطر علي سلوكنا‏..‏ أحلام سيادتك أوامر‏..‏ شخبطة المحروس ابنك ياأفندم تخطيط لمستقبل حياتنا‏..‏ هل نحن منافقون بالوراثة؟ أم أنه تاريخ من العذابات عاشه الشعب المصري مع السلاطين الذين حكموه عبر التاريخ‏..‏ ففسدت العلاقة وانعدمت الثقة كما تقول هناء الجوهري في كتابها ثقافة التحايل‏..‏ انظر حولك سوف تجد التحايل ينخر كالسوس في كل شيء‏..‏أولا‏:‏ ظاهرة البناء علي الأراضي الزراعية‏..‏ إنه الجنون بعينه أن نبني علي آلاف الأفدنة الخصبة ثم نذهب إلي الصحراء وننفق المليارات لاستصلاح واستزراع الأراضي‏..‏ القانون موجود لكن أي واحد فهلوي سيقول لك‏:‏ القانون حمار‏..‏ ثم يتحايل لنسف المادتين‏152‏ و‏156‏ من قانون الزراعة ليتسلل ببناء مسكن شخصي له علي أرضه ثم يتوسع شيئا فشيئا وتدخل الأرض كردون المباني بعد تقادم ثلاث سنوات علي البناء السري في غفلة من الحكومة أو بغض الطرف منها‏.‏ثانيا‏:‏ العشوائيات ووضع اليد التي يعرفها مجلس الشوري بأنها تجمعات سكانية نشأت في غياب التخطيط العام وخروجا علي القانون‏,‏ وبالتالي لا تصلها الخدمات والمرافق وتكون مناطق محرومة‏..‏ ينتشر فيها الفقر والجهل والمرض‏,‏ وتصبح مفرخة للعنف والإرهاب‏.‏ثالثا‏:‏ احتلال كورنيش النيل بالمباني والأندية لبعض المؤسسات السيادية‏,‏ بالتحايل علي القانون‏,‏ ولكن من سيجرؤ علي الكلام‏...‏رابعا‏:‏ المحليات وتراخيص البناء وتعلية الأدوار بالمخالفة‏..‏ فوضي عارمة‏..‏ ولم يحدث في أية دولة في العالم‏..‏ انهيارات لعمارات حديثة مثلما يحدث في القاهرة والإسكندرية‏.‏الدكتور زكي نجيب محمود يشخص الداء ويقول‏:‏ إن العلاقة التي تربط المواطن بالوطن اتجهت نحو الانتهازية‏,‏ الحصول علي أكبر قدر من الغنائم بأقل قدر من العمل‏..‏ والفائزون هم الأبرع حيلة‏..‏ وكأن الدولة هي جابي الضرائب الشرير الذي يجب التحايل عليه‏.‏ الطريف أن عقلية الفهلوي والمتحايل امتدت إلي التحايل علي الشرع أيضا‏..‏ وتمت أكبر عملية تواطؤ سرية عندما رفع الفهلويون القاعدة الشرعية الضرورات تبيح المحظورات‏,‏ وابتكروا أساليب تحايلية جديدة مثل زواج المسيار‏,‏ وزواج الفريند‏,‏ وتوزيع الميراث علي حياة عينه‏(‏ بيع وشراء للأولاد‏)‏ حتي لا يستفيد الأعمام والأقربون‏..‏ التحايل الشرعي تلخصه الحكاية التالية‏:‏يامولانا‏..‏ الجدار بال عليه كلب‏..‏ فماذا أفعل؟ إنها نجاسة‏..‏ إذن فلابد أن تهدم الجدار وتبنيه سبع مرات‏..‏ لكن أيها الشيخ‏..‏ إنه الجدار الذي يفصل بين بيتي وبيتك‏..‏ إحم‏..‏ إحم‏..‏ إذن القليل من الماء يطهره‏..‏ يابني‏..‏ أولاد البلد بالحس الشعبي العبقري صاغوا مثل هذه النكات والروايات للتدليل علي ظاهرة الفتوي حسب الطلب أو فقه الموافقات‏..‏ الشيخ هنا أعمل مبدأ المواءمة واستخدم المذهب البراجماتي في الحكم‏..‏ المشكلة أنك لو راجعت أحد المتحايلين فسوف يقول لك‏:‏ يارجل لا تكن حنبليا‏..‏ والمعروف أن الإمام أحمد بن حنبل كان متشددا في الحق في مذهبه الفقهي‏.‏ويقول‏:‏ عجبت مما يقولون في الحيل والأيمان‏!!..‏ يبطلون الأيمان بالحيل‏..‏ أكبر مثال‏..‏ التيس المستعار وهو المحلل المحتال الذي يتزوج امرأة مطلقة ثلاثا‏..‏ تحايلا علي الشرع لتعود إلي زوجها‏..‏ يخادعون الله أم يخادعون أنفسهم؟‏!‏ إن الأمر هنا أشبه بالنكتة الشهيرة‏:‏ يامولانا هل تجوز الصلاة دون وضوء؟ طبعا لا يجوز‏..‏ غريبة ما هو رأيك؟‏!‏ إنني فعلتها ونفعت‏..‏ آفة هذه الأمة هي الأكاذيب‏..‏و خاصة تلك التي يجد لها بعض الفقهاء تخريجا ويقولون إنها أكاذيب عارضة‏..‏ لمقصد شرعي‏...‏والملاوعة والولس هما اللذان أضاعا هذه الأمة‏..‏ المثل يقول‏:‏ الولس قتل عرابي‏..‏ حضارة الغرب لا تحتفي بالدين مثلنا ومع ذلك فهم امتلكوا الفلسفة والحكمة من وراء الدين وهي المصداقية‏....‏ الدين المعاملة‏..‏ ودهشة الإمام محمد عبده مبررة عندما زار فرنسا وقال‏:‏ وجدت إسلاما ولم أجد مسلمين‏..‏ لخص وشخص الداء‏..‏ نحن قوم يقولون ما لا يفعلون‏..‏ أكبر جريمة في الغرب هي الكذب‏..‏ كلينتون وحكاية مونيكا‏..‏ الجريمة الكبري كانت هي الكذب وليس العلاقة الجنسية‏..‏ جان جاك روسو يقول في نظرية العقد الاجتماعي في علاقة الحاكم بالمحكوم‏:‏ إذا أخل أحدهما بشروط العقد وكذب‏..‏ أحل للآخر عدم الالتزام‏...‏من أين نبدأ إذن؟الديمقراطية‏..‏ الشفافية‏..‏ المصداقية‏..‏ إعادة بناء الثقة بين المرء وقلبه وشعبه ووطنه‏..‏ الحكومة مسئولة‏..‏ التشريعات والقوانين العادلة والواقعية هي ترجمة لشفافية الحكمة القائلة‏:‏ إذا أردت أن تطاع فاأمر بما يستطاع‏..‏ قللوا تكاليف التسجيل العقاري أكثر وسهلوا الإجراءات حتي تستعاد ثروة هذه الأمة المهدرة‏..‏ فرناردو دوسوتو صاحب كتاب سر رأس المال يقول‏:‏ إن قيمة العقارات غير المسجلة في الحضر والريف المصري تصل إلي‏480‏ مليار دولار‏...‏أخيرا‏..‏ متي نتوقف عن التحايل الشرعي ونقول علقها في رقبة عالم‏..‏ تطلع سالم‏..‏ ومتي نتوقف عن اللوع وألاعيبه ونستمع إلي نصيحة صلاح جاهين وتحذيراته حين يقول‏:‏ علم اللوع أكبر كتاب في الأرض‏..‏ بس اللي يغلط فيه يجيبه الأرض‏..‏ متي تنتهي لعبة القط والفأر؟ متي تنتهي لعبة الباشا والفهلوي؟‏!‏