هل أنت علماني؟
جريدة الأهرام
الثلاثاء 22 نوفمبر 2005 , 20 من شوال 1426 هـ ، السنة 130 - العدد 43450
بقلم : جمال الشاعر
أنا مسلم علماني.. قالها مهاتير محمد لخصومه السياسيين ولمواطنيه الماليزيين المسلمين.. أولئك الذين حاولوا ابتزازه سياسيا باسم الاسلام.. حاول رئيس وزراء ماليزيا الاسبق فك الاشتباك بين الحداثة والعلمانية والاسلام والاسلاموية.. أعلن أنه منحاز للحداثة وأن الاسلام فيه طاقة حداثية مدهشة لم يفطن اليها لا المسلمون أنفسهم ولا العلمانيون.. السؤال الصعب هو ما الذي يعوق الاسلام لكي يصبح حداثيا.. ببساطة المشكلة هي في العلمانية.. علاقة الدين بالدولة بالسياسة.. أوروبا قامت بالفصل بين القوات.. بين الكنيسة والدولة..
تجربتها كانت مريرة في العصور الوسطي ولديها كل الحق.. كانت سطوة الكنيسة معوقة للتقدم الحضاري ومحتكرة للعلوم والابداع وحركة الاقتصاد وتمثل كذلك مرجعية حاكمة للملوك والامراء..
ومارست كل انواع الابتزاز تحت غطاء ذهبي طقوسي اسمه صكوك الغفران.. ضج الاوروبيون بذلك فتمردوا ودفعوا ثمنا غاليا.. جاليليو حاول تحرير العلم من سطوة الكنيسة.. قال بكروية الارض فتم تكفيره.. دانتي الليجيري اتجه لتحرير الابداع وتمرد علي اللغة اللاتينية الكهنوتية وكتب الكوميديا الالهية باللهجة الايطالية.. ماركس مهمته كانت تحرير الاقتصاد من قبضة الكنائس وجاء بعد ذلك ليلخص الازمة والصراع بين الكنيسة والدولة في عبارته الشهيرة: الدين أفيون الشعوب.. هل الدين افيون الشعوب في الشرق الاوسط ايضا وفي العالم الاسلامي ؟.. نعم ولا.. نعم لأننا تخلفنا في فهم عبقرية الاسلام..
وتحول الامر الي عبادات بالعادات وارهاب فكري لمن يحاول الاجتهاد.. فالتهمة جاهزة( حد الردة)( وحد الحرابة)..
العلمانيون معذورون.. هم يرون النموذج الغربي كمنتج متكامل في شكله النهائي.. اكتمل المشروع الغربي ونجح في القرن الماضي في احداث وفرة وطفرة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل.. والاسلام لم يقدم هذا المشروع ولا النظرية الحداثية حتي الآن.. الدين بريء وليس هو السبب وليس افيون الشعوب في العالم الاسلامي لماذا.. لانه قدم النموذج إبان العصرين الأموي والعباسي وما قبلهما من إرهاصات.. حين استوعبت الأمة صدمة الحداثة فانتقلت من ميراث الجاهلية الي نور النبوة الي انفتاح علي المنجز الحضاري العالمي حينها.. الإغريقي والروماني والفارسي..
وتم انتاج حداثة اسلامية أفرزت شلة من الحداثيين ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وابن رشد.. وغيرهم كثيرون.
وانتجت علمانية اسلامية علي يد معاوية بن ابي سفيان.. أول علماني مسلم حاول تأسيس دولة سياسية وليست دينية عندما رفض فكرة الدولة الثيوقراطية, وكان الثمن فادحا والشهداء كثيرون من الصحابة وآل البيت وصولا الي مأساة الحسين رضوان الله عليهم أجمعين وصار الحسين رمزا وقد استشهد في كربلاء..
هل العلمانية الاسلامية.. علمانية معاوية هي النموذج الأمثل الثاني في الخيارات المتاحة بعد العلمانية الغربية؟.. السؤال يقودنا الي تجربة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.. وهي التي تجعل العقل الجمعي والمسلمين يرون طريقا ثالثا للحداثة... والطريق الثالث هو خلافة اسلامية مستنيرة وعادلة.. العدالة تأتي في معادلة الحداثة كبديل مقبول عن الديمقراطية.. إذا ما كانت غاية الديمقراطية هي العدالة والمساواة.. فأهلا بخلافة تحقق الهدف.. ولكن المعضلة هنا.. أن الأمر يصبح موكولا بشخص الخليفة لا بالنظام المؤسس والآليات التي تفرز دائما أنساقا ومناخات وقادة يحققون ديمومة الحداثة للأمة..
طيب رجب أردوجان هو مسلم علماني آخر.. والاسلام التركي يحاول صنع معجزة توأمه الدين مع العلمانية.. وايران الجمهورية والآيات تحاول تجاوز ولاية الفقيه الي اسلام علماني.. والسعودية الحكام فيها ليسوا رجال الدين.. هل هو اسلامي حداثي اذن؟ هل هي علمانية اسلامية تعتمد منطق عقلنة السلطة واستبدال السلطات التقليدية بمؤسسات مدنية.. المتعصبون علي طرفي النقيض.. فريق يرفض حداثة الغرب جملة وتفصيلا.. فلم ير منها الا الشرور والغزوات والمفاسد.. وفريق آخر يقول أي شخص ضد العلمانية هو جاهل.. بالمناسبة سارتر كان يقول كل شخص ضد الشيوعية كلب..
فهل لو حيا.. سيبقي علي موقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسور برلين؟! فريق ثالث يرفض المزاوجة وفقه المواءمات فالاسلام دين ودولة بذاته والحداثة بدعة غربية..
عقدة الكنيسة أسلمت الغرب الي العلمانية وأخشي أن تسلمنا عقدة العلمانية الي جاهلية جديدة.. المفكر الجزائري مالك بن نبي يطمئننا بأننا في حالة هبوط اضطراري فقط وسوف تقلع طائرة الحضارة الاسلامية( الحداثة) مرة اخري عما قريب ولكنه لم يقل لنا كيف؟..
هيجنز يقول مشكلة الحداثة في الدول الفقيرة نفسية, وأوسكار, لويس يقول إلغاء الفقر أسهل من الغاء ثقافة الفقر والقديس بولس أحدث انقلابا في الفكر المسيحي عندما قال من لا يعمل لا يأكل.. إذن المشكلة نفسية ثقافية دينية.. والحداثيون رأوا الحل في الليبرالية والعلم وتحييد الدين..( العلمانية) مرة اخري وهي مستحيلة في الشرق الاوسط مهد الاديان حيث الحضور العقائدي والروحاني هو الحياة ذاتها.. اذن البديل هو نظرية اسلامية للنهضة أو اسلام علماني.. ومزاوجة بين الماء والنار.. وهي مهمة لا يقدر عليها إلا أصحاب المعجزات والشجاعة الفائقة أو المجانين.. فاحتسب احتياطاتك قبل ان تجاهر بأنك مسلم علماني.
بقلم : جمال الشاعر
أنا مسلم علماني.. قالها مهاتير محمد لخصومه السياسيين ولمواطنيه الماليزيين المسلمين.. أولئك الذين حاولوا ابتزازه سياسيا باسم الاسلام.. حاول رئيس وزراء ماليزيا الاسبق فك الاشتباك بين الحداثة والعلمانية والاسلام والاسلاموية.. أعلن أنه منحاز للحداثة وأن الاسلام فيه طاقة حداثية مدهشة لم يفطن اليها لا المسلمون أنفسهم ولا العلمانيون.. السؤال الصعب هو ما الذي يعوق الاسلام لكي يصبح حداثيا.. ببساطة المشكلة هي في العلمانية.. علاقة الدين بالدولة بالسياسة.. أوروبا قامت بالفصل بين القوات.. بين الكنيسة والدولة..
تجربتها كانت مريرة في العصور الوسطي ولديها كل الحق.. كانت سطوة الكنيسة معوقة للتقدم الحضاري ومحتكرة للعلوم والابداع وحركة الاقتصاد وتمثل كذلك مرجعية حاكمة للملوك والامراء..
ومارست كل انواع الابتزاز تحت غطاء ذهبي طقوسي اسمه صكوك الغفران.. ضج الاوروبيون بذلك فتمردوا ودفعوا ثمنا غاليا.. جاليليو حاول تحرير العلم من سطوة الكنيسة.. قال بكروية الارض فتم تكفيره.. دانتي الليجيري اتجه لتحرير الابداع وتمرد علي اللغة اللاتينية الكهنوتية وكتب الكوميديا الالهية باللهجة الايطالية.. ماركس مهمته كانت تحرير الاقتصاد من قبضة الكنائس وجاء بعد ذلك ليلخص الازمة والصراع بين الكنيسة والدولة في عبارته الشهيرة: الدين أفيون الشعوب.. هل الدين افيون الشعوب في الشرق الاوسط ايضا وفي العالم الاسلامي ؟.. نعم ولا.. نعم لأننا تخلفنا في فهم عبقرية الاسلام..
وتحول الامر الي عبادات بالعادات وارهاب فكري لمن يحاول الاجتهاد.. فالتهمة جاهزة( حد الردة)( وحد الحرابة)..
العلمانيون معذورون.. هم يرون النموذج الغربي كمنتج متكامل في شكله النهائي.. اكتمل المشروع الغربي ونجح في القرن الماضي في احداث وفرة وطفرة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل.. والاسلام لم يقدم هذا المشروع ولا النظرية الحداثية حتي الآن.. الدين بريء وليس هو السبب وليس افيون الشعوب في العالم الاسلامي لماذا.. لانه قدم النموذج إبان العصرين الأموي والعباسي وما قبلهما من إرهاصات.. حين استوعبت الأمة صدمة الحداثة فانتقلت من ميراث الجاهلية الي نور النبوة الي انفتاح علي المنجز الحضاري العالمي حينها.. الإغريقي والروماني والفارسي..
وتم انتاج حداثة اسلامية أفرزت شلة من الحداثيين ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وابن رشد.. وغيرهم كثيرون.
وانتجت علمانية اسلامية علي يد معاوية بن ابي سفيان.. أول علماني مسلم حاول تأسيس دولة سياسية وليست دينية عندما رفض فكرة الدولة الثيوقراطية, وكان الثمن فادحا والشهداء كثيرون من الصحابة وآل البيت وصولا الي مأساة الحسين رضوان الله عليهم أجمعين وصار الحسين رمزا وقد استشهد في كربلاء..
هل العلمانية الاسلامية.. علمانية معاوية هي النموذج الأمثل الثاني في الخيارات المتاحة بعد العلمانية الغربية؟.. السؤال يقودنا الي تجربة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين.. وهي التي تجعل العقل الجمعي والمسلمين يرون طريقا ثالثا للحداثة... والطريق الثالث هو خلافة اسلامية مستنيرة وعادلة.. العدالة تأتي في معادلة الحداثة كبديل مقبول عن الديمقراطية.. إذا ما كانت غاية الديمقراطية هي العدالة والمساواة.. فأهلا بخلافة تحقق الهدف.. ولكن المعضلة هنا.. أن الأمر يصبح موكولا بشخص الخليفة لا بالنظام المؤسس والآليات التي تفرز دائما أنساقا ومناخات وقادة يحققون ديمومة الحداثة للأمة..
طيب رجب أردوجان هو مسلم علماني آخر.. والاسلام التركي يحاول صنع معجزة توأمه الدين مع العلمانية.. وايران الجمهورية والآيات تحاول تجاوز ولاية الفقيه الي اسلام علماني.. والسعودية الحكام فيها ليسوا رجال الدين.. هل هو اسلامي حداثي اذن؟ هل هي علمانية اسلامية تعتمد منطق عقلنة السلطة واستبدال السلطات التقليدية بمؤسسات مدنية.. المتعصبون علي طرفي النقيض.. فريق يرفض حداثة الغرب جملة وتفصيلا.. فلم ير منها الا الشرور والغزوات والمفاسد.. وفريق آخر يقول أي شخص ضد العلمانية هو جاهل.. بالمناسبة سارتر كان يقول كل شخص ضد الشيوعية كلب..
فهل لو حيا.. سيبقي علي موقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسور برلين؟! فريق ثالث يرفض المزاوجة وفقه المواءمات فالاسلام دين ودولة بذاته والحداثة بدعة غربية..
عقدة الكنيسة أسلمت الغرب الي العلمانية وأخشي أن تسلمنا عقدة العلمانية الي جاهلية جديدة.. المفكر الجزائري مالك بن نبي يطمئننا بأننا في حالة هبوط اضطراري فقط وسوف تقلع طائرة الحضارة الاسلامية( الحداثة) مرة اخري عما قريب ولكنه لم يقل لنا كيف؟..
هيجنز يقول مشكلة الحداثة في الدول الفقيرة نفسية, وأوسكار, لويس يقول إلغاء الفقر أسهل من الغاء ثقافة الفقر والقديس بولس أحدث انقلابا في الفكر المسيحي عندما قال من لا يعمل لا يأكل.. إذن المشكلة نفسية ثقافية دينية.. والحداثيون رأوا الحل في الليبرالية والعلم وتحييد الدين..( العلمانية) مرة اخري وهي مستحيلة في الشرق الاوسط مهد الاديان حيث الحضور العقائدي والروحاني هو الحياة ذاتها.. اذن البديل هو نظرية اسلامية للنهضة أو اسلام علماني.. ومزاوجة بين الماء والنار.. وهي مهمة لا يقدر عليها إلا أصحاب المعجزات والشجاعة الفائقة أو المجانين.. فاحتسب احتياطاتك قبل ان تجاهر بأنك مسلم علماني.
1 Comments:
بصراحة يا أخي هو لا فيه جمال ولا هوشاعر بحاجة أبدا
By
عشقك ندي, at 21/12/05 5:16 PM
Post a Comment
<< Home