قـــراءات

Wednesday, December 14, 2005

هل أنت علماني؟

جريدة الأهرام
الثلاثاء 22 نوفمبر 2005 , ‏20 من شوال 1426 هـ ، ‏السنة 130 - العدد 43450

بقلم : جمال الشاعر

أنا مسلم علماني‏..‏ قالها مهاتير محمد لخصومه السياسيين ولمواطنيه الماليزيين المسلمين‏..‏ أولئك الذين حاولوا ابتزازه سياسيا باسم الاسلام‏..‏ حاول رئيس وزراء ماليزيا الاسبق فك الاشتباك بين الحداثة والعلمانية والاسلام والاسلاموية‏..‏ أعلن أنه منحاز للحداثة وأن الاسلام فيه طاقة حداثية مدهشة لم يفطن اليها لا المسلمون أنفسهم ولا العلمانيون‏..‏ السؤال الصعب هو ما الذي يعوق الاسلام لكي يصبح حداثيا‏..‏ ببساطة المشكلة هي في العلمانية‏..‏ علاقة الدين بالدولة بالسياسة‏..‏ أوروبا قامت بالفصل بين القوات‏..‏ بين الكنيسة والدولة‏..‏

تجربتها كانت مريرة في العصور الوسطي ولديها كل الحق‏..‏ كانت سطوة الكنيسة معوقة للتقدم الحضاري ومحتكرة للعلوم والابداع وحركة الاقتصاد وتمثل كذلك مرجعية حاكمة للملوك والامراء‏..‏

ومارست كل انواع الابتزاز تحت غطاء ذهبي طقوسي اسمه صكوك الغفران‏..‏ ضج الاوروبيون بذلك فتمردوا ودفعوا ثمنا غاليا‏..‏ جاليليو حاول تحرير العلم من سطوة الكنيسة‏..‏ قال بكروية الارض فتم تكفيره‏..‏ دانتي الليجيري اتجه لتحرير الابداع وتمرد علي اللغة اللاتينية الكهنوتية وكتب الكوميديا الالهية باللهجة الايطالية‏..‏ ماركس مهمته كانت تحرير الاقتصاد من قبضة الكنائس وجاء بعد ذلك ليلخص الازمة والصراع بين الكنيسة والدولة في عبارته الشهيرة‏:‏ الدين أفيون الشعوب‏..‏ هل الدين افيون الشعوب في الشرق الاوسط ايضا وفي العالم الاسلامي ؟‏..‏ نعم ولا‏..‏ نعم لأننا تخلفنا في فهم عبقرية الاسلام‏..‏

وتحول الامر الي عبادات بالعادات وارهاب فكري لمن يحاول الاجتهاد‏..‏ فالتهمة جاهزة‏(‏ حد الردة‏)(‏ وحد الحرابة‏)..‏

العلمانيون معذورون‏..‏ هم يرون النموذج الغربي كمنتج متكامل في شكله النهائي‏..‏ اكتمل المشروع الغربي ونجح في القرن الماضي في احداث وفرة وطفرة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل‏..‏ والاسلام لم يقدم هذا المشروع ولا النظرية الحداثية حتي الآن‏..‏ الدين بريء وليس هو السبب وليس افيون الشعوب في العالم الاسلامي لماذا‏..‏ لانه قدم النموذج إبان العصرين الأموي والعباسي وما قبلهما من إرهاصات‏..‏ حين استوعبت الأمة صدمة الحداثة فانتقلت من ميراث الجاهلية الي نور النبوة الي انفتاح علي المنجز الحضاري العالمي حينها‏..‏ الإغريقي والروماني والفارسي‏..‏

وتم انتاج حداثة اسلامية أفرزت شلة من الحداثيين ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وابن رشد‏..‏ وغيرهم كثيرون‏.‏

وانتجت علمانية اسلامية علي يد معاوية بن ابي سفيان‏..‏ أول علماني مسلم حاول تأسيس دولة سياسية وليست دينية عندما رفض فكرة الدولة الثيوقراطية‏,‏ وكان الثمن فادحا والشهداء كثيرون من الصحابة وآل البيت وصولا الي مأساة الحسين رضوان الله عليهم أجمعين وصار الحسين رمزا وقد استشهد في كربلاء‏..‏

هل العلمانية الاسلامية‏..‏ علمانية معاوية هي النموذج الأمثل الثاني في الخيارات المتاحة بعد العلمانية الغربية؟‏..‏ السؤال يقودنا الي تجربة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين‏..‏ وهي التي تجعل العقل الجمعي والمسلمين يرون طريقا ثالثا للحداثة‏...‏ والطريق الثالث هو خلافة اسلامية مستنيرة وعادلة‏..‏ العدالة تأتي في معادلة الحداثة كبديل مقبول عن الديمقراطية‏..‏ إذا ما كانت غاية الديمقراطية هي العدالة والمساواة‏..‏ فأهلا بخلافة تحقق الهدف‏..‏ ولكن المعضلة هنا‏..‏ أن الأمر يصبح موكولا بشخص الخليفة لا بالنظام المؤسس والآليات التي تفرز دائما أنساقا ومناخات وقادة يحققون ديمومة الحداثة للأمة‏..‏

طيب رجب أردوجان هو مسلم علماني آخر‏..‏ والاسلام التركي يحاول صنع معجزة توأمه الدين مع العلمانية‏..‏ وايران الجمهورية والآيات تحاول تجاوز ولاية الفقيه الي اسلام علماني‏..‏ والسعودية الحكام فيها ليسوا رجال الدين‏..‏ هل هو اسلامي حداثي اذن؟ هل هي علمانية اسلامية تعتمد منطق عقلنة السلطة واستبدال السلطات التقليدية بمؤسسات مدنية‏..‏ المتعصبون علي طرفي النقيض‏..‏ فريق يرفض حداثة الغرب جملة وتفصيلا‏..‏ فلم ير منها الا الشرور والغزوات والمفاسد‏..‏ وفريق آخر يقول أي شخص ضد العلمانية هو جاهل‏..‏ بالمناسبة سارتر كان يقول كل شخص ضد الشيوعية كلب‏..‏

فهل لو حيا‏..‏ سيبقي علي موقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسور برلين؟‏!‏ فريق ثالث يرفض المزاوجة وفقه المواءمات فالاسلام دين ودولة بذاته والحداثة بدعة غربية‏..‏

عقدة الكنيسة أسلمت الغرب الي العلمانية وأخشي أن تسلمنا عقدة العلمانية الي جاهلية جديدة‏..‏ المفكر الجزائري مالك بن نبي يطمئننا بأننا في حالة هبوط اضطراري فقط وسوف تقلع طائرة الحضارة الاسلامية‏(‏ الحداثة‏)‏ مرة اخري عما قريب ولكنه لم يقل لنا كيف؟‏..‏

هيجنز يقول مشكلة الحداثة في الدول الفقيرة نفسية‏,‏ وأوسكار‏,‏ لويس يقول إلغاء الفقر أسهل من الغاء ثقافة الفقر والقديس بولس أحدث انقلابا في الفكر المسيحي عندما قال من لا يعمل لا يأكل‏..‏ إذن المشكلة نفسية ثقافية دينية‏..‏ والحداثيون رأوا الحل في الليبرالية والعلم وتحييد الدين‏..(‏ العلمانية‏)‏ مرة اخري وهي مستحيلة في الشرق الاوسط مهد الاديان حيث الحضور العقائدي والروحاني هو الحياة ذاتها‏..‏ اذن البديل هو نظرية اسلامية للنهضة أو اسلام علماني‏..‏ ومزاوجة بين الماء والنار‏..‏ وهي مهمة لا يقدر عليها إلا أصحاب المعجزات والشجاعة الفائقة أو المجانين‏..‏ فاحتسب احتياطاتك قبل ان تجاهر بأنك مسلم علماني‏.‏

1 Comments:

Post a Comment

<< Home