قـــراءات

Wednesday, December 14, 2005

هل أنت علماني؟

جريدة الأهرام
الثلاثاء 22 نوفمبر 2005 , ‏20 من شوال 1426 هـ ، ‏السنة 130 - العدد 43450

بقلم : جمال الشاعر

أنا مسلم علماني‏..‏ قالها مهاتير محمد لخصومه السياسيين ولمواطنيه الماليزيين المسلمين‏..‏ أولئك الذين حاولوا ابتزازه سياسيا باسم الاسلام‏..‏ حاول رئيس وزراء ماليزيا الاسبق فك الاشتباك بين الحداثة والعلمانية والاسلام والاسلاموية‏..‏ أعلن أنه منحاز للحداثة وأن الاسلام فيه طاقة حداثية مدهشة لم يفطن اليها لا المسلمون أنفسهم ولا العلمانيون‏..‏ السؤال الصعب هو ما الذي يعوق الاسلام لكي يصبح حداثيا‏..‏ ببساطة المشكلة هي في العلمانية‏..‏ علاقة الدين بالدولة بالسياسة‏..‏ أوروبا قامت بالفصل بين القوات‏..‏ بين الكنيسة والدولة‏..‏

تجربتها كانت مريرة في العصور الوسطي ولديها كل الحق‏..‏ كانت سطوة الكنيسة معوقة للتقدم الحضاري ومحتكرة للعلوم والابداع وحركة الاقتصاد وتمثل كذلك مرجعية حاكمة للملوك والامراء‏..‏

ومارست كل انواع الابتزاز تحت غطاء ذهبي طقوسي اسمه صكوك الغفران‏..‏ ضج الاوروبيون بذلك فتمردوا ودفعوا ثمنا غاليا‏..‏ جاليليو حاول تحرير العلم من سطوة الكنيسة‏..‏ قال بكروية الارض فتم تكفيره‏..‏ دانتي الليجيري اتجه لتحرير الابداع وتمرد علي اللغة اللاتينية الكهنوتية وكتب الكوميديا الالهية باللهجة الايطالية‏..‏ ماركس مهمته كانت تحرير الاقتصاد من قبضة الكنائس وجاء بعد ذلك ليلخص الازمة والصراع بين الكنيسة والدولة في عبارته الشهيرة‏:‏ الدين أفيون الشعوب‏..‏ هل الدين افيون الشعوب في الشرق الاوسط ايضا وفي العالم الاسلامي ؟‏..‏ نعم ولا‏..‏ نعم لأننا تخلفنا في فهم عبقرية الاسلام‏..‏

وتحول الامر الي عبادات بالعادات وارهاب فكري لمن يحاول الاجتهاد‏..‏ فالتهمة جاهزة‏(‏ حد الردة‏)(‏ وحد الحرابة‏)..‏

العلمانيون معذورون‏..‏ هم يرون النموذج الغربي كمنتج متكامل في شكله النهائي‏..‏ اكتمل المشروع الغربي ونجح في القرن الماضي في احداث وفرة وطفرة حضارية لم تشهدها البشرية من قبل‏..‏ والاسلام لم يقدم هذا المشروع ولا النظرية الحداثية حتي الآن‏..‏ الدين بريء وليس هو السبب وليس افيون الشعوب في العالم الاسلامي لماذا‏..‏ لانه قدم النموذج إبان العصرين الأموي والعباسي وما قبلهما من إرهاصات‏..‏ حين استوعبت الأمة صدمة الحداثة فانتقلت من ميراث الجاهلية الي نور النبوة الي انفتاح علي المنجز الحضاري العالمي حينها‏..‏ الإغريقي والروماني والفارسي‏..‏

وتم انتاج حداثة اسلامية أفرزت شلة من الحداثيين ابن سينا والخوارزمي وابن الهيثم وابن النفيس وابن رشد‏..‏ وغيرهم كثيرون‏.‏

وانتجت علمانية اسلامية علي يد معاوية بن ابي سفيان‏..‏ أول علماني مسلم حاول تأسيس دولة سياسية وليست دينية عندما رفض فكرة الدولة الثيوقراطية‏,‏ وكان الثمن فادحا والشهداء كثيرون من الصحابة وآل البيت وصولا الي مأساة الحسين رضوان الله عليهم أجمعين وصار الحسين رمزا وقد استشهد في كربلاء‏..‏

هل العلمانية الاسلامية‏..‏ علمانية معاوية هي النموذج الأمثل الثاني في الخيارات المتاحة بعد العلمانية الغربية؟‏..‏ السؤال يقودنا الي تجربة عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء الراشدين‏..‏ وهي التي تجعل العقل الجمعي والمسلمين يرون طريقا ثالثا للحداثة‏...‏ والطريق الثالث هو خلافة اسلامية مستنيرة وعادلة‏..‏ العدالة تأتي في معادلة الحداثة كبديل مقبول عن الديمقراطية‏..‏ إذا ما كانت غاية الديمقراطية هي العدالة والمساواة‏..‏ فأهلا بخلافة تحقق الهدف‏..‏ ولكن المعضلة هنا‏..‏ أن الأمر يصبح موكولا بشخص الخليفة لا بالنظام المؤسس والآليات التي تفرز دائما أنساقا ومناخات وقادة يحققون ديمومة الحداثة للأمة‏..‏

طيب رجب أردوجان هو مسلم علماني آخر‏..‏ والاسلام التركي يحاول صنع معجزة توأمه الدين مع العلمانية‏..‏ وايران الجمهورية والآيات تحاول تجاوز ولاية الفقيه الي اسلام علماني‏..‏ والسعودية الحكام فيها ليسوا رجال الدين‏..‏ هل هو اسلامي حداثي اذن؟ هل هي علمانية اسلامية تعتمد منطق عقلنة السلطة واستبدال السلطات التقليدية بمؤسسات مدنية‏..‏ المتعصبون علي طرفي النقيض‏..‏ فريق يرفض حداثة الغرب جملة وتفصيلا‏..‏ فلم ير منها الا الشرور والغزوات والمفاسد‏..‏ وفريق آخر يقول أي شخص ضد العلمانية هو جاهل‏..‏ بالمناسبة سارتر كان يقول كل شخص ضد الشيوعية كلب‏..‏

فهل لو حيا‏..‏ سيبقي علي موقفه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسور برلين؟‏!‏ فريق ثالث يرفض المزاوجة وفقه المواءمات فالاسلام دين ودولة بذاته والحداثة بدعة غربية‏..‏

عقدة الكنيسة أسلمت الغرب الي العلمانية وأخشي أن تسلمنا عقدة العلمانية الي جاهلية جديدة‏..‏ المفكر الجزائري مالك بن نبي يطمئننا بأننا في حالة هبوط اضطراري فقط وسوف تقلع طائرة الحضارة الاسلامية‏(‏ الحداثة‏)‏ مرة اخري عما قريب ولكنه لم يقل لنا كيف؟‏..‏

هيجنز يقول مشكلة الحداثة في الدول الفقيرة نفسية‏,‏ وأوسكار‏,‏ لويس يقول إلغاء الفقر أسهل من الغاء ثقافة الفقر والقديس بولس أحدث انقلابا في الفكر المسيحي عندما قال من لا يعمل لا يأكل‏..‏ إذن المشكلة نفسية ثقافية دينية‏..‏ والحداثيون رأوا الحل في الليبرالية والعلم وتحييد الدين‏..(‏ العلمانية‏)‏ مرة اخري وهي مستحيلة في الشرق الاوسط مهد الاديان حيث الحضور العقائدي والروحاني هو الحياة ذاتها‏..‏ اذن البديل هو نظرية اسلامية للنهضة أو اسلام علماني‏..‏ ومزاوجة بين الماء والنار‏..‏ وهي مهمة لا يقدر عليها إلا أصحاب المعجزات والشجاعة الفائقة أو المجانين‏..‏ فاحتسب احتياطاتك قبل ان تجاهر بأنك مسلم علماني‏.‏

Tuesday, December 13, 2005

ثــقــافــة الانـبـــــطاح

جريدة الأهرام
الثلاثاء 14 ديسمبر 2004م ، 03 ذو القعدة 1425 هـ

بقلم : جمال الشاعر

إذا اردت أن يكون لك أعداء كثيرون‏..‏ حاول ان تغير شيئا ما‏..‏ عبارة قالها الرئيس الأمريكي ويلسون منذ قرن من الزمان‏..‏ وهي ترجمة أمريكية للحكمة العربية‏..‏ الإنسان عدو مايجهل‏..‏ ومن هنا تتفجر عدة أسئلة مفخخة علينا الأقتراب منها بشجاعة‏.‏
‏1‏ـ هل نحن نريد التغيير؟
‏2 ـ كيف نريد هذا التغيير من الداخل أم الخارج؟
‏3‏ ـ التغيير الذي نريده‏..‏ هل هو سريع أم بطيء‏..‏ جذري أم تدريجي؟
‏4 ـ هذا التغيير سيتم بالقوة بالعنف أم بالاقتناع والاقناع والايمان بالفكرة؟
‏5‏ ـ هل للدين دور مركزي في الاصلاح والتغيير أم لا؟
‏6‏ ـ ماالذي نريده بالضبط ثقافة التغيير أم تغيير الثقافة؟
السؤال الأخير كان هو عنوان مؤتمر مؤسسة الفكر العربي بمراكش‏..‏ هناك جلس المؤتمرون حول الأسئلة الصعبة مثل فرسان المائدة المستديرة‏..‏ كل ألوان الطيف كانت موجودة هناك‏..‏ بطرس غالي‏..‏ أحمد كمال أبوالمجد‏..‏ فاروق الباز‏..‏ فهمي هويدي‏..‏ سناء البيسي‏..‏ علي أبومليل‏..‏ شاكر النابلسي‏..‏ محمود شمام‏..‏ عبدالهادي التازي‏..‏ مانع سعيد العتيبة‏..‏ حسن وجيه‏..‏ أحمد أبوزيد‏..‏ عبدالله التطاوي‏..‏ حسن نافعة‏..‏ صلاح فضل‏..‏ عمرو موسي‏..‏ علي فخرو‏..‏ ريما خلف‏..‏ وآخرون‏.‏
الأمير خالد الفيصل حاول ردم الهوة السحيقة بين السياسي والثقافي‏..‏ فجازف باشعال الحوار بين الوزراء والمثقفين والمفكرين‏..‏ وفي ندوة التغيير والإعلام قال مدير القناة الأمريكية الموجهة للعالم العربي‏..‏ إن الله خلقنا من ذكر وانثي وجعلنا شعوبا وقبائل لنتعارف‏..‏ وهذه هي رسالة القناة الأمريكية التعارف والتعريف بثقافة الآخر‏..‏ وهي قناة اسم علي مسمي‏..‏ حرة في اتخاذ قراراتها تماما‏,‏ مجلس أمنائها تسعة أعضاء‏,‏ خمسة ديمقراطيين وأربعة جمهوريين‏..‏ ثم راح ينتقد المقاومة العراقية ويقول إنهم يقتلون الأبرياء باسم الله‏..‏ هنا وقف في القاعة من يردون عليه قائلين‏..‏ المثل الأمريكي الشهير يقول من يدفع للعازف هو الذي يختار اللحن‏..‏ فمن الذي يدفع لهذه القناة وعلي أي لحن سوف تعزف‏..‏ ماهي الرسالة الإعلامية الموجهة للعالم العربي‏..‏ ثم‏..‏ نحن كعرب ومسلمين نرفض تماما قتل الأسري أو تعذيب الأسري الاجانب‏..‏ انها وحشية مرفوضة‏..‏ لكن ماذا عن معاملة الأسري العرب في سجن أبوغريب وخلافه ثم السؤال الأكبر‏..‏ اذا كان هؤلاء يقتلون الرهائن باسم الله كما يقول‏..‏ فبأي اسم العراقيون يقتلون ويبادون وباسم من تتم عملية إبادة القري والاحياء في العراق وفلسطين إنها معادلات مغلوطة‏..‏
وطرح غريب وشاذ‏..‏ إن الجماهير العربية تبحث عن العدالة‏..‏ قبل أن تبحث عن الحداثة والتغيير‏..‏ ثم هل نحن مستفيدون من الحداثة والتغيير أم لا‏..‏ إذا لم يحس المواطن العربي بمكاسب سياسية واقتصادية تسهم في تحسين ظروفه المعيشية ومعاناته اليومية وتغيير واقع الاحتلال‏..‏ فانه سوف يبحث عن بديل‏..‏ والبديل لنظرية الحداثة في الطرح الراهن في المشهد السياسي هو النظرية الدينية‏..‏ أذكر انني قابلت سفيرة أمريكية في دولة خليجية وراحت تتناقش معي‏..‏ حول تصورات العالم العربي للتغيير‏..‏ فقلت لها‏..‏ الستم أنتم الأمريكيون اصحاب اختراع نظرية البراجماتية القائمة علي المنفعة المتبادلة والمصلحة وتحقيق المكاسب للطرفين‏..‏ قالت نعم‏..‏ قلت لها‏..‏ لماذا لاتكون الاطراف كلها مستفيدة من المواقف من التصالح من‏..‏

المشاركة في العلاقات أو في فض المنازعات‏,‏ قالت انت تقصد نظرية " ‏ winwintheory "
نظرية الاثنان منتصران قلت لها نعم مع العلم أنه لايوجد منتصر بدون خسائر ولكن ما يحدث في الشرق الأوسط الآن هو سياسة الانبطاح وعقود الاذعان‏..‏ وبالتالي لن تحدث استجابات لا سريعة ولاكسيحة لاي نوع من انواع الاصلاح والتغيير‏..‏ اقرئي ما نشر في النيوزويك منذ اعوام‏..‏
سأل الصحفي الأمريكي طفلا فلسطينيا‏..‏ ماذا ستشتري اذا حصلت علي بعض النقود‏..‏ قال الطفل الفلسطيني‏..‏ بندقية‏..‏ وماذا سوف تشتري لو حصلت علي أموال أكثر؟ قال الطفل‏..‏ دبابة‏..‏ ويواصل الصحفي الاسئلة قائلا‏..‏ انك تفكر بعقلية المحارب ماذا لو كانت معك هذه الأموال وليست هناك حروب‏..‏ بل سلام‏..‏ قال الطفل سأشتري جهاز تليفزيون‏..‏ ثم ماذا لو كانت لديك مبالغ أكبر قال‏..‏ هاتف نقال‏..‏ ثم ماذا‏..‏ قال دراجة بخارية‏..‏ فنحن اذن جاهزون للتغيير اذا تم السلام‏.‏
ابن خلدون يقول المغلوب مولع بتقليد الغالب‏..‏ ونحن والحمد لله رواد التغيير الاعمي‏..‏ انظروا إلي حال التليفزيونات العربية في برامج الترفية والدراما‏..‏ والمرء تنتابه الدهشة‏..‏ إذا كان هناك استعداد وشوق كبير للتغيير طواعية فلماذا الجيوش والحروب والاحتلال والقتل والدمار؟ عجبا‏.‏برجنسكي يقول‏:‏ التليفزيون يقوم بدور أهم من الكنيسة والمدرسة والجيوش‏.‏
لقد بدأ التغيير بالفعل كما يقول كثير من المفكرين بدخول التليفزيون وتحويل مائدة الطعام العربية المستديرة الطبلية إلي مائدة مستطيلة حيث لاينظر افراد العائلة إلي بعضهم البعض ولكن إلي الوافد الجديد‏. عود علي بدء‏..‏ يمكن استخلاص بعض الأفكار والاجابات من مؤتمر ثقافة التغيير علي النحو التالي‏.‏
أولا ـ المواطن العربي إما برميل بترول أو إرهابي محتمل وهذه الصورة التي وصفها الراحل إدوارد سعيد مازالت ماثلة في اذهان الغرب وهي تحتاج إلي انتفاضة ثقافية إعلامية وآلية للحوار لتغييرها‏..‏ فنمور التاميل عندما يفجرون انفسهم لايوصفون بأنهم انتحاريون بوذيون وعمليات الجيش الايرلندي لاتوصف بانها عمليات إرهابية كاثوليكية‏.‏
ثانيا ـ جوبلز كان يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة اتحسس مسدسي‏..‏ والمواطن العربي يقول عندما استمع إلي كلمة ثقافة التغيير اتحسس عقيدتي‏..‏ فما هو المقصود بالتغيير؟
ثالثا ـ صدمة المستقبل كما يقول الفن توفلر هي تأتي من الحاجة للتغيير الفوري والتغيير يأتي من أعلي فالناس علي دين ملوكهم‏..‏ ومن أسفل‏..‏ ذلك بأن الله لم يكن مغيرا نعمة انعمها علي قوم حتي يغيروا ما بأنفسهم‏.‏
رابعا ـ نريد تغييرا يحقق لنا أحلامنا في جيش قوي وبلد غني ويصبح ذلك هو شعارنا وان يكون بيدنا لابيد بوش وسلميا وليس عنيفا وتدريجيا وليس انقلابيا وجذريا‏..‏ ولكن علي كل المطالبين بالتغيير ان يطرحوا سيناريوهات قابلة للتطبيق وذلك إعمالا للحكمة القائلة لاتخبرني انك خفيف الظل ومضحك‏..‏ فقط قل لي نكتة‏..‏ استدراك مهم جدا اخشي ان يتحول مصطلح ثقافة التغيير إلي نكتة‏.

Monday, December 05, 2005

«مصر المحظورة»


الاثنيـن 05 ذو القعـدة 1426 هـ ، 5 ديسمبر 2005 العدد 9869
بقلم : د. مأمون فندى

فوز جماعة الاخوان المسلمين «المحظورة» في الانتخابات البرلمانية المصرية هو أمر مقلق على مستقبل اكبر دولة في «الشرق الأوسط» لأنه يعكس مشكلة كبرى داخل النظام السياسي المصري، كما أنه جزء من لعبة خطيرة بين أميركا والنظام المصري، أقول فوز جماعة الاخوان، واعني ذلك، رغم ان الارقام لا تعكس ذلك، فالاخوان حتى الآن لديهم أكثر من سبعين مقعداً، وقد يصل هذا العدد إلى ما يقارب مائة مقعد. أما الحزب الوطني الحاكم فهو على سبيل المثال لم يحصل على نسبة عشرة في المائة من دوائر محافظتي قنا والاقصر اللتين شهدت انتخاباتهما نفس النسبة، رغم ان الحزب الوطني على الورق فاز بعدد اكبر بعد ان انضم اليه من فاز من المستقلين. إذن الحزب الوطني اصبح مثل شقة مفروشة فمن اراد ان يستأجرها لفترة برلمانية واحدة يهدف الى تحقيق بعض الخدمات وليس لدور تشريعي للاعضاء.
فوز الجماعة المحظورة كما ذكرت هو مشكلة نظام كامل ولا غرابة في ذلك. فإذا نظرنا إلى مؤسسات المجتمع الرسمية من المدرسة، إلى المحاكم، إلى مؤسسة الزواج، إلى الاقتصاد، نرى بوضوح لا مجال لشك فيه، ان المؤسسات الرسمية والقانونية (Formal institutions) تتراجع أو تتآكل وربما تنهار في مواجهة المؤسسات غير الرسمية أو المحظورة والعرفية (inFormal institutions) وبهذا لا تكون هناك غرابة في فوز جماعة الاخوان المسلمين او اي جماعة اخرى غير رسمية، ولا غرابة ايضا ان يفوز المستقلون الذين يمثلون جماعات عرفية مثل القبائل في الصعيد على حساب الاحزاب الرسمية مثل الوطني والوفد والتجمع الخ..
هناك عشرون حزباً مصرياً غير الوطني لم تفز بعشرة مقاعد مجتمعة، أي أن القانوني والرسمي من الاحزاب ما هو إلا ديكور أو قشرة فارغة لا تحتوي إلا على صحيفة اسبوعية أو يومية وجماعة من الأفندية يتعيشون على التنطع وعلى دعم الدولة.. احزاب بلا جذور يجب حلها او الغاؤها تماماً لانها كذبة كبرى كما اثبتت الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
كما ذكرت، مشكلة الجماعة المحظورة هي مشكلة نظام بأكمله، ولننظر الى مكونات المجتمع الاخرى كي تتضح الصورة.
التعليم في مصر مثلاً لا يحدث في المدرسة، المدرسة هي مبنى مفرغ (Front) مثلها مثل كشك السجائر الذي يستخدمه رجال المباحث احيانا أو بائعو المخدرات كغطاء لاعمالهم الحقيقية، التعليم في مصر يحدث في البيوت في الدروس الخصوصية، مرتب المدرس الذي يتقاضاه نتيجة لعمله في المدرسة لا يساوي حتى واحدا في المائة مما يتقاضاه من الدروس الخصوصية، مثله مثل صاحب كشك السجائر بائع المخدرات خلف الكواليس، سجائر في النور، ومخدرات في الظلام. اذن تراجعت المدرسة واصبح دورها هامشياً مقابل الدروس الخصوصية.
وهناك أيضا تراجع مؤسسة الزواج الرسمية مقابل تصاعد ظاهرة الزواج العرفي حتى بين المتزوجين، وبذلك تصبح مؤسسة الزواج الرسمية مجرد قشرة أو غطاء مثلها مثل حزب الوفد أو التجمع، بينما الممارسات الحقيقية تحدث في الزواج العرفي، وزواج المتعة. زواج المتعة معناه أن هذا النوع من الزواج ممتع بينما الزواج الرسمي غير ممتع. اذا كان هذا هو حال الزواج في مصر اي زيادة نسبة المحظور على الرسمي فما الغرابة في أن تفوز جماعة الاخوان المحظورة على حساب الاحزاب «غير المحظورة» الاحزاب العرفية المفرغة من المضمون.
فوز المحظورة وسيطرتها على حساب الرسمية هو ايضاً ما يحدث في الاقتصاد، فكل دارسي الاقتصاد يقولون لنا وبوضوح ان حجم الاقتصاد غير الرسمي (unformal Economy) اكبر بكثير من الاقتصاد الرسمي، أي ان الاموال المكتنزة «تحت البلاطة» اكبر بكثير من الاموال المودعة في البنوك المصرية. ورغم وجود أموال كثيرة في المجتمع المصري إلا أن مشكلة مصر الحقيقية كانت خلال الخمس سنوات الماضية مشكلة سيولة مالية في البنوك رغم ان السيولة موجودة تحت البلاطة. فإذا كان الاقتصاد اكبر تحت البلاطة منه داخل البنوك والمؤسسات المالية الرسمية، أي أن الاقتصاد المحظور اكبر من الاقتصاد المنظور، اذن ما الغرابة في ان تحصل الجماعة المحظورة على كراس اكثر في البرلمان من الجماعات التي تبدو رسمية على السطح رغم أنها مفرغة من أي محتوى حقيقي ينفع الناس؟!
اذن من التعليم الى الزواج إلى الاقتصاد يتراجع الرسمي ويتعاظم دور المحظور، فما الغرابة في ان تفوز الجماعة المحظورة ضد الجماعات المنظورة، المصريون لا يثقون بالرسمي على ما يبدو ، يفضلون الاقتصاد المر على الاقتصاد الحر، يفضلون الدروس الخصوصية على التعليم في المدرسة. هذه المشكلة التي تضرب في عمق الدولة والمجتمع هي مشكلة شاملة (Systemic Problem) وليست مشكلة الاخوان المسلمين، وان لم تحل بشكل منظم يبدأ من المدرسة الى المصنع الى البنك الى الزواج، فمهما صرخنا «فاول» في حالة فوز الاخوان فإن المجتمع لن يسمع. فالمشكلة هي ان «مصر المحظورة» أكبر بكثير من «مصر المنظورة».
هذا على مستوى مشكلة النظام المصري، فماذا عن اللعبة المصرية الأميركية الخطرة التي اشرت اليها في بداية المقال؟!
يبدوأن استراتيجية النظام المصري التي سمحت للجماعة المحظورة بدخول الانتخابات المصرية وسمحت لها ان تحصل على ما قد يصل الى 20% (عشرين في المائة) من المقاعد البرلمانية، تهدف الى تخويف الأميركان من نتائج الانتخابات الحرة، لتستعرض مصر للأميركان عدد «الدقون» في البرلمان القادم حتى يذوقوا طعم ما ينادون به، سيرى الأميركان في البرلمان القادم، وسيسمعون حناجر الدقون الغاضبة التي ربما تعلن «الموت لأميركا» على غرار ملالي ايران من تحت قبة البرلمان. ومتى سمع الأميركان ذلك تراجعوا عن الضغط على النظام في اتجاه مزيد من الاصلاحات ومزيد من الحريات، سينزل الأميركان من على ظهر النظام. وبذلك تهرب الطبقة السياسية الحاكمة في مصر من دفع فاتورة الاصلاح. لا شك ان تلك مهارة سياسية من النظام، واعرف ان كثيرا من صانعي القرار في واشنطن «اغبياء» الى الحد الذي يجعلهم يصدقون لعبة التخويف بالدقون في البرلمان. ولكن اللعبة الخطرة لا تنتهي هنا.
فالأميركان لديهم لعبتهم ايضاً.
الأميركان فرحون بفوز الاخوان لسبب وحيد، في نظرهم وجود هذا العدد من الاخوان في البرلمان يضع ناراً تحت اقدام النظام من اجل مزيد من الاصلاحات، الأميركان يرون ضغط الاخوان يدفع النظام المصري لتنمية البدائل وتوسيع دائرة المشاركة لخلق بدائل للتيار الديني، أي ان هذا سيدفع النظام الى تجديد شرعيته بالالتحام اكثر بالشعب، فهل سيخاف الأميركان من الاخوان ويحتضنون النظام كما ترى الاستراتيجية المصرية، ام ان النظام سيستجيب لتحدي الاخوان ويفتح البلد كما يأمل الأميركان؟ وهل الاخوان لاعب اساسي في المعادلة ام ان ما يحدث هو حرفياً «ضحك على الدقون» أي أن الاخوان فقط أداة بين النظام والأميركان.
السؤال الآن هو: هل يتمكن الأميركان أو النظام المصري من السيطرة على الاخوان الذين يظنون أنهم أداة في ايديهم لتخويف كل منهم الآخر؟!
بالتأكيد لن يستطيع اي منهما السيطرة على الاخوان ليس لانهم جماعة منظمة وسرية كما يظن البعض، ولكن لان الاخوان هم جزء من ظاهرة اكبر وهي ظاهرة «مصر المحظورة» التي تتعاظم على حساب «مصر المنظورة»، أي أن الاخوان وأي جماعة محظورة اخرى في مصر هي التي تلبي رغبات المزاج المصري، لان المزاج المصري اليوم يفضل الممنوع على المسموح، يفضل العمل تحت الطاولة عن العمل فوقها، العمل في الظلام لا العمل في النور. هذه ممارسات مصرية يومية، فالمصري اليوم لا يؤمن بالمرور بالقنوات الشرعية القانونية لتحقيق مطالبه بل يفضل الواسطة والتحرك خارج الشرعية.
ما حدث في الانتخابات البرلمانية المصرية هو فوز لمصر المحظورة على مصر الرسمية. ما الحل إذن؟!
الحل هو تقنين مصر المحظورة من المدرسة الى الزواج الى الاقتصاد الى السياسة وادخالها في عالم القانون، الحل يكمن ايضا في ان تقول مصر كلمتها في الاحزاب الورقية الكاذبة القائمة، يكمن الحل ايضا في الاعتراف بأن ما حدث هو نتيجة لابتعاد الشعب المصري عن السياسة، فالذين صوتوا في هذه الانتخابات لا يصلو إلى 20%. هناك 80% من المصريين لم يشاركوا في الانتخابات، ذلك لفقدان الثقة في النظام الرسمي، والقبول بحياتهم في العالم المحظور غير الرسمي. ظاهرة مصر المحظورة تحتاج الى حوار وطني حقيقي، وان الحديث عن الاخوان بمعزل عن هذه الظاهرة هو ضحك على الدقون «وليس حلاً للمشكلة».